تقابلنا بينما كنت صاعدا إلي شقتي. قالت تجاذبني الحديث انك سافرت منذ أيام ولن تعود قبل يومين. الأولاد في مدارسهم حتي الرابعة, وقد رتبت البيت والمفروشات وجهزت الطعام والمشروبات. حدقت في وجهي قائلة انها تشكو الفراغ والوحدة, وعندما ينتابها هذا الشعور فإنها تنادي النجار ليدق المسمار هنا أو هناك. صمتت قليلا ثم رنت في هدوء ماكر قائلة.. هل تستطيع أن تفعل مثلما يفعل النجار؟ أراك أكثر منه وسامة وقوة. أثارتني كلماتها ونظرتها الجائعة. تطلعت إلي جسدها فلاحظت ما لم أره من سنوات لم أكن أهتم بها. فهمت أنها أرادتني من زمن لكني لم أسمعها. عندما دخلت كان المكان ساكنا هادئا مرتبا نظيفا. درت أطوف واكتشف واتلمس وحسدت الذي يهنأ فيه. كيف مرت سنوات دون أن الحظ رشاقتها وحيويتها وسرعة بديهتها التي أتت بي إلي هنا. هل وجهها سر جمالها؟ أري فيه معاني الحب والجمال والهناء والتمرد. أين كانت من عيني؟ ما الذي أبعدني؟ ربما خوفي من سطوة جمالها. بدت حيرانة ولهي متعجبة. نظرتها منكسرة طيعة ضائعة كمن تترجي. متطلعة متوسلة تنتظر أن أهدئ روعها. أستطيع طبع صورتها في قلبي وعقلي. تري ماذا تغير؟ عطرها هاديء دافيء, ويدها حنون, يحوطها الشوق واللهفة والترقب. عيناها قالتا أشياء ويداها. رحت أسمع نداءها الذي صار قويا. أمامي الأيام أرتب فيها أحوالنا لنسعد بلا قيود. من المؤكد أنه تنتظرنا أشياء أجمل بدونهم. سألت نفسي لم لا أقدم العون مادامت لن تجيء والأولاد سيتأخرون والنجار لم يخطر علي بالها. ماذا تظن أني فاعل أيها القميء؟ لن أغفر جرأتك وتطاولك, تظن أنك الأقوي لأنني مكانك؟ كلا. سيعرف الجميع أنك ضعيف, لم تكن هنا أبدا, وكان النجار يأتي, الأولاد سيبكون وسيرونك قاسيا هادما وسيحسون أنها خاطئة, ربما يقتلكما أحدهم وقد يدخل السجن أو يدمن الخمر والبانجو أو يصير أضحوكة للآخرين. قد تحس أنك تنتقم لشرفك ويسيل دمي أمامك فتشفي, ثم تنتهي عند المشنقة أو السجن. لن ينفعك الانفعال, ولا يفيد كلينا علي الاطلاق. تتوهم أن دمي سيغسل عارك!! لقد تجاوز الزمان هذه الكلمات, بعدما مرت السنوات أصبح المعني مطاطا يسمح أن تفعل ما تراه شريفا عادلا, أو تتجاوز إن استطعت, تغيرت المفاهيم يا صديقي. أتدري..!! أنا أحس بالقوة وسأستمتع بما أخفيته عني بين الجدران. هي ساعات أو أيام وتعود الأشياء إلي ما كانت عليه. دعني أساعدك الآن, وأتركك لتعود الأمور هادئة فنستمر جيرانا صالحين. مغامرتي تتملكني. تستولي علي كياني, تتمايل رأسي نشوة وانسجاما. فرحان أني أحوز كل شيء, لن أدع أمرا يفوتني لأفوز, تدور المرئيات وترتبك خطواتي فأستند إلي السور محاولا التماسك. لقد اغرقتني عيناها في بحر عميق فدارت الدنيا بي حتي اصطدم رأسي بالسلم ورحت أتدحرج لأسفل. تجمع السكان والبواب والأولاد, ينظرون باسمين ساخرين إلي الكبير الذي سقط علي الدرج. أبحث في الوجوه فلا أجدها. ألمحها متوارية خلف الباب ترقب الجلبة التي أحدثتها. القميء يشد يدي ليرفعني ثم ينفض التراب عن ملابسي ويناولني جرعة ماء. يرتب علي كتفي قائلا لابد أن تلاحظ أين ستضع قدمك في الخطوة التالية.