النزاع الدائر بين موسكو والغرب والذي يهدف كل منهما من ورائه إلي محاولة استقطاب أوكرانيا إلي جانبه للسيطرة علي الدولة الوليدة والمهمة في الوقت نفسه والتي استقلت عام1991 عن الاتحاد السوفييتي السابق عقب تفكيك الدولة في العام1989. والذي يبدو كقنبلة موقوتة أو برميل بارود قابل للانفجار في أي لحظة في قلب أوروبا وينذر بحرب شاملة متعددة الأطراف في شرق القارة العجوز في حال تطور الأوضاع علي الأرض وخروج النزاع عن السيطرة بسبب الدعم الروسي للانفصاليين في شرق البلاد بالسلاح والعتاد والدعم الغربي لكييف بنفس الكيفية, لا يخلف وراءه إلا ضحايا من المدنيين والعسكريين من الطرفين خلال الاشتباكات التي تتصاعد وتيرتها وتهدأ لتعود أكثر شراسة وقوة بسبب تحفز الجانبين وتمسك كل منهما بأجندته علي حساب الشعب الأوكراني الذي تحول إلي فصيلين متنازعين يؤمن أحدهما بالعودة إلي أحضان موسكو, والآخر يسعي إلي الانضمام إلي المعسكر الغربي ممثلا في الاتحاد الأوروبي. هذا النزاع الذي فتح المجال أمس أمام إسرائيل لكي تطرح نفسها بانتهازية واضحة كرقم صحيح في المعادلة- من دون مناسبة- من خلال عرض وزير خارجية الكيان الصهيوني أفيجدور ليبرمان خلال زيارته لموسكو في تصريحات لوكالة نوفوسيتي الروسية للأنباء وقبيل لقائه بنظيره الروسي سيرجي لافروف وساطة لتطبيع العلاقات بين روسياوأوكرانيا مع الادعاء بالحياد بين الطرفين اللذين تربطهما علاقات جيدة, متجاهلة بذلك الجهود الدولية المكثفة لإيجاد حل للأزمة التي تتمثل في الاجتماع الاستثنائي الذي دعا إليه حلف شمال الأطلنطي لبحث تصاعد أعمال العنف في أوكرانيا واجتماع مجلس الأمن الذي عقده مساء أمس وسط مساع غربية لتسريع ضغوطهم علي روسيا التي يعتبرونها عراب الانفصاليين الأوكرانيين. وبين التصعيد العسكري بين الأطراف المتنازعة والذي أسفر السبت الماضي عن مأساة مدينة ماريوبول الساحلية الصناعية الهادئة التي يسكنها نصف مليون نسمة والتي مازالت تحت سيطرة حكومة كييف حيث قتل30 شخصا وأصيب العشرات بصواريخ أطلقت من المناطق التي يسيطرعليها الانفصاليون وفقا لمنظمة الأمن والتعاون الأوروبي والذي حول حياة سكان المدينة إلي كابوس مزعج مع توقعهم لهجوم وشيك علي المدينة, وبين تبادل الاتهامات بين الطرفين كلما وقعت اشتباكات بين القوات الأوكرانية والانفصاليين تلك الاشتباكات التي خلفت وراءها حتي الآن أكثر من5000 قتيل من الطرفين منذ بداية النزاع قبل9 أشهر. واشنطن أدانت الهجوم الأخير واعتبرته تصعيدا خطيرا في النزاع من جانب موسكو والانفصاليين وهددت بفرض عقوبات جديدة علي روسيا رغم نفي الأخيرة أي علاقة لها بالهجوم, في الوقت الذي تمطر فيه صواريخ جراد مدنا أوكرانية أخري, بينما تجري عمليات إجلاء كبيرة للأطفال من المدن الأوكرانية المتوقع تعرضها لهجمات محتملة من الجانبين حرصا علي حياتهم. من جانبه وصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمس الجيش الأوكراني بأنه عبارة عن فرقة أجنبية تعمل لصالح الناتو ضد روسيا, ويخوض معارك في الشرق الذي يتألف حسب تعبيره مما يسمي ب كتائب المتطوعين القوميين, ولا تتضمن أهدافه الدفاع عن المصالح الوطنية لأوكرانيا, كما أن لديه هدفا جيوسياسيا هو احتواء روسيا, بينما وصف الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرج تلك التصريحات بأنها لا معني لها, ونفي في ختام اجتماع استثنائي للمفوضية الأوروبية والحلف في بروكسل وجود فرقة أجنبية في أوكرانيا مؤكدا أن القوات الأجنبية في أوكرانيا هي روسية. وأكد بوتين أن سلطات كييف الرسمية- للأسف- ترفض المضي في طريق التسوية السلمية ولا تريد حلا سياسيا, مضيفا أنها انتهزت الهدنة لإعادة نشر قواتها من جديد وهو ما نتج عنه قتل آلاف الأشخاص, مشيرا إلي أن أوكرانيا حاليا تشهد حربا أهلية وأن الجميع باتوا يدركون ذلك, واصفا تلك الأحداث بال مأساة الحقيقة. من ناحيته اتهم لافروف الغرب باستخدام المآسي المرتبطة بمقتل المواطنين في أوكرانيا من أجل تأجيج العقوبات ضد بلاده وفرض عقوبات جديدة عليها, وأن روسيا تعلم كيف تستخدم هذه المآسي من أجل تأجيج وتسعير الهستيريا المعادية لروسيا وتبرير مواقف عدد من الدول الغربية التي ترغب بالدم وبفرض المزيد من العقوبات, معربا عن اعتقاده بوجود آراء أخري مغايرة في المعسكر الغربي. وأضاف أنه في نهاية الأمر يتعين علي الغرب أن يفهم كيف يجب عليه لاحقا بناء سياسته تجاه أوكرانياوروسيا وبشكل عام في مجال الأمن في قارتنا المشتركة. ولفت لافروف إلي أن موسكو تساهم في دعم الاقتصاد الأوكراني عن طريق تزويدها بالغاز الطبيعي بأسعار مخفضة, وإمدادها بالكهرباء والفحم, كما تقوم بإرسال مساعدات إنسانية بكميات كبيرة إلي السكان المدنيين في جنوب شرق أوكرانيا, بالإضافة إلي استضافة عدد كبير من اللاجئين الأوكرانيين الهاربين من الحرب إلي الأراضي الروسية. فيما أكد المتحدث باسم الرئاسة الروسية الكرملين ديمتري بيسكوف أن التهديدات والضغوط الاقتصادية لن تغير من موقف روسيا حول الأحداث المتطورة في أوكرانيا. مؤكدا أن بلاده لم توافق أبدا علي مثل هذه التهديدات; وبالإضافة إلي ذلك, لم تؤد مثل هذه التهديدات والابتزازات أبدا إلي اختلاف موقف روسيا الثابت والمعروف تحت مثل هذا النوع من الضغوط. وتبقي معركة عض الأصابع بين أطراف النزاع قائمة بينما تتعرض حياة المدنيين الأوكرانيين في شطري أوكرانيا للخطر بسبب القصف المتبادل ومنهم500 عامل تعرضوا للحصار داخل أحد مناجم الفحم في شرق أوكرانيا بسبب انقطاع التيار الكهربائي جراء القصف, بدأوا يخرجون منه من تلقاء أنفسهم ولم تشارك فرق الاغاثة في إنقاذهم!