تحتفل مصر خلال ايام بالذكري الرابعة لثورة يناير التي تدخل عامها الخامس, لتستعيد وقائع تلك الايام المجيدة في تاريخها الحديث, عندما خرج الشعب, ليسقط في ثورة ابهرت العالم, احد اكبر وأهم الانظمة السياسية استقرارا في المنطقة, ويطيح بعد ثمانية عشر يوما فقط, بحسني مبارك من المقعد الرئاسي, بعد نحو ثلاثة عقود من حكم مصر, شهدت خلالها البلاد العديد من التغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية, التي غيرت حياة المصريين. ايام ويعود ميدان التحرير ليتصدر واجهات الاخبار في الفضائيات العربية والعالمية, بعدما تحول الي شاهد حي علي تقلبات اربع سنوات من عمر الثورة, احتل خلالها المجلس العسكري الاول صدارة المشهد خلال العام الاول من عمر الثورة, قبل أن يقفز الاخوان الي مقاعد الحكم في لحظة استثنائية, لا تزال الكثير من تفاصيلها مجهولة حتي اليوم, قبل أن يشهد الميدان تاليا, تسمية اول رئيس مؤقت للبلاد عقب الاطاحة بنظام الاخوان في30 يونيو2013, ومن بعده اعلان الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيسا لمصر, عقب ضغوط ومطالبات شعبية, اسفرت في النهاية عن انتخابات رئاسية تعددية شهد لها العالم. مع طلوع شمس الاحد المقبل, تدخل مصر العام الخامس من عمر ثورتها التي اندلعت علي يد شبابها, قبل أن تنضم اليها مختلف فئات الشعب, لتطيح بنظام مبارك, ومن بعده نظام الاخوان. مع طلوع شمس الاحد المقبل تستعيد مصر ذكريات اربعة احتفالات مضت, بدءا من موجة الافراح التي عمت الشوارع والميادين, مع اعلان تخلي مبارك عن الحكم في11 فبراير من العام2011, وانتهاء بنفس الاحتفالات التي رفعت صورة الرئيس عبد الفتاح السيسي, عقب فوزه بالانتخابات الرئاسية الاخيرة, وما بين الحدثين الكبيرين من احداث, ظل ميدان التحرير خلالها هو القاسم المشترك, حتي وان تبدلت المطالب وتغيرت الشعارات. 2011 الشعب يريد إسقاط النظام لم يكن يخطر ببال أحد عندما خرج الآف الشبان في25 يناير عام2011, يطالبون باقالة وزير الداخلية الاسبق حبيب العادلي, أن يصل سقف المطالب إلي هذا الحد, وان تتحول الشعارات المناهضة للعديد من الاجراءات القمعية والانتهاكات التي تورط فيها عدد من رجال الشرطة في وزارة العادلي, الي المطالبة باسقاط مبارك نفسه. لقد كان وجود مبارك علي رأس السلطة, اقرب ما يكون الي اسطورة لا يريد لها البعض من المنتفعين والمستفيدين من هذا النظام ان تنتهي, لكن الشباب كان لهم رأي آخر. لعبت مواقع التواصل الاجتماعي فيسبوك وتويتر دورا كبيرا في التجهيز للثورة, بل انها في نظر كثير من المراقبين, كانت نقطة البداية للانفجار الكبير الذي شهدته مصر في هذا العام, فمن خلال تلك المواقع تم تنسيق الآراء والتحركات, ومن خلالها ايضا وقع الاختيار علي يوم25 يناير, باعتباره اليوم الذي خصصته الدولة للاحتفال باعياد الشرطة. لم يكن الأمر يتجاوز في البداية, تلك التظاهرات المحدودة التي شهدتها القاهرة والاسكندرية الي جانب عدد من المحافظات الكبري في الدلتا والقناة, قبل أن تتحول التظاهرات علي نحو مفاجئ الي احتجاجات شعبية واسعة, زادت حدتها بعد وقوع ضحايا بدءا من يوم28 يناير, المعروف باسم جمعة الغضب, وتحت وقع تلك الاحتجاجات, لجأت حكومة الدكتور احمد نظيف الي قطع الإنترنت والاتصالات المحمولة عن البلاد, في محاولات يائسة للسيطرة علي الاوضاع, ومنع التواصل بين الشباب وجموع المتظاهرين, وهو الأمر الذي ساهم في زيادة حالة الاحتقان والغضب ضد نظام مبارك, خاصة بعد محاولات الشرطة إخلاء الميدان وفض الاعتصامات بالقوة المفرطة, ليشهد ميدان التحرير انطلاق ذلك الشعار المدوي ولأول مرة: الشعب يريد إسقاط النظام. عاشت القاهرة ساعات عصيبة علي وقع استخدام اجهزة الامن للقوة المفرطة في تفريق المتظاهرين من ميدان التحرير, فيما عرف باسم جمعة الغضب, لتعلن الحكومة فرض حظر التجول منذ السادسة مساء في كل أنحاء الجمهورية, ونزول مدرعات الجيش لأول مرة الي الشوارع لفرض الأمن, بعدما بدأ اللصوص والبلطجية في الانتشار بالشوارع, ونهب بعض المحلات العامة, قبل أن ترتفع وتيرة الاحداث, بخروج الاف المساجين فيما عرف لاحقا باسم اقتحام السجون, مما تسبب في حالة كبيرة من الانفلات الأمني, وعلي ضوء ذلك اتخذ مبارك الذي كان نظام حكمه يلفظ انفاسه الاخيرة, قرارا باقالة رئيس الوزراء احمد نظيف, وتكليف الفريق أحمد شفيق برئاسة حكومة جديدة, وتأدية اليمين الدستورية في31 يناير. ينظر كثير من المراقبين لحادث محاولة انصار مبارك اقتحام ميدان التحرير, وطرد المتظاهرين منه, وهو المعروف اعلاميا باسم موقعة الجمل, باعتباره القشة التي قصمت ظهر نظام مبارك, وقد جري هذا الحادث يوم2 فبراير, بعدما توجهت مجموعات من البلطجية بالجمال والخيول, وحاولت اقتحام الميدان لفض الاعتصام, وإجبار المتظاهرين علي المغادرة بالقوة, ليزداد إصرار المتظاهرين علي إسقاط مبارك. سعي مبارك خلال ايام لاسترضاء الجماهير الغاضبة, باصدار سلسلة من القرارات, لم تلق قبولا من الالاف التي احتشدت في ميدان التحرير, هؤلاء الذين لم يعد اتخاذ أي إجراءات من جانب السلطة يرضيهم, حتي أعلن نائب الرئيس آنذاك اللواء عمر سليمان, تنحي مبارك عن الحكم يوم11 فبراير, وتكليف المجلس الأعلي للقوات المسلحة بقيادة المشير طنطاوي بإدارة شئون البلاد, بعد18 يوما من الصمود في ميدان التحرير. الذكري الأولي: الإسلاميون يتصدرون والثورة مستمرة تصدر المجلس العسكري الاول واجهة الاحداث, في الاحتفال بالذكري الاولي للثورة, التي تراوحت المشاركة فيها ما بين الاحتفال الذي قررته قطاعات عريضة ممن خططوا للنزول إلي الميدان, وما بين اعلان قوي وحركات سياسية وشبابية عدة, رفضها الاحتفال بذكري الثورة, لعدم تسليم السلطة في البلاد لرئيس منتخب, واعتراضا في الوقت ذاته علي سير الاحداث في محاكمة مبارك ورجاله. علي ارض الواقع وبعيدا عن مناورات السياسيين, لازم الخوف قطاعا كبيرا من المصريين البسطاء, علي وقع سيناريو الفوضي والإنفلات الذي كان قد بلغ اوجه, في ظل غياب لافت للشرطة عن الشارع, فيما بدت في خلفية المشهد العديد من الاحداث التي جعلت من العودة للميدان, حتي لمجرد الاحتفال مغامرة محفوفة بالمخاطر, خاصة بعد الاحداث الدامية التي شهدها شارع محمد محمود, ومجلس الوزراء ومؤامرة حرق المجمع العلمي فضلا عما شهدته تلك الاحداث من سقوط ضحايا في كل مرة, بينما كان التغير الوحيد الذي شهدته مصر خلال العام الأول من عمر الثورة, هو سيطرة التيار الإسلامي علي البرلمان. الذكري الثانية: الإخوان في الواجهة والثوار في الميدان لم يكن حلول الذكري الثانية للثورة مريحا ولا عاديا بالنسبة للأغلبية من المصريين, رغم تحقق المطلب الرئيسي للقوي والحركات الثورية, بوجود رئيس منتخب للبلاد. لقد كشف الرئيس الأسبق محمد مرسي عن وجهه الحقيقي, عندما قصر مشاركته في الاحتفال بالعيد الثالث للثورة علي جماعته فقط, وخرج ليخطب فيهم داخل فراشة صغيرة صنعت له علي عجل في مواجهة قصر الاتحادية, فيما كانت قوي الثورة من سياسيين وشبان يتفجرون غضبا من سياسات جماعته. أعلن البعض بوضوح موقفه في الذكري الثانية لثورة يناير, حيث أكدت بعض القوي السياسية والحركات والائتلافات الشبابية رفضها سياسات مرسي الذي ينتمي لجماعة الإخوان, وكذلك حكومته التي لم تقدم شيئا من الأهداف التي سعت الثورة إلي تحقيقها. في هذا العام ظهر لاول مرة هتاف: يسقط حكم المرشد في ميادين الاحتجاجات التي بدأت في الانتشار في أنحاء الجمهورية للمطالبة بإسقاط الرجل الذي يتحكم في سياسات البلاد المرشد, ونظيره ومتلقي تعليماته علي كرسي الرئاسة مرسي, لتنطلق علي الجانب الآخر الدعوات المحذرة من المنتمين لجماعة الإخوان لأي محاولة لإسقاط مرسي, وفي ظل حالة الاحتقان السائدة بين مؤيديه ومعارضيه بدأت المواجهات واشتدت في يوم25 يناير في محاولة كل جانب لفرض كلمته في ذلك اليوم. الذكري الثالثة دستور جديد وقلق من الجماعة تنوعت الأهداف والاحتفال واحد.. هذا هو أبلغ وصف يوضح سيناريو ما حدث في الذكري الثالثة للثورة حيث انقسم المشاركون حول هدف الاحتفال واجتمعوا في ميدان واحد, فما بين الاحتفال بإنجاز المرحلة الأولي من خارطة طريق المستقبل بعد ثورة يونيو وإقرار الدستور الجديد, وهناك من قرر النزول لدعم الفريق عبد الفتاح السيسي آنذاك ومطالبته بالترشح لرئاسة الجمهورية, وكان هناك أيضا مجموعة من أنصار الإخوان الذين أكدوا النزول يوم25 تحت شعار إسقاط ما وصفته ب الإنقلاب, في حين قررت بعض الحركات الشبابية حفظ اليوم لثورة يناير, وعدم إقحام أي أهداف أخري عليه ليظل هذا اليوم شاهدا علي ذكري صحوة الشعب ضد نظام مبارك. نزلت أعداد كبيرة للميدان يحمل بعضهم العلم المصري ويمسك البعض الآخر بصور ولافتات تدعم وتكلف الفريق السيسي بدخول السباق الرئاسي, وقد تفرد هذا العام بالاحتفال بذكري ثورة يناير وقيام ثورة يونيو أي أنه كان احتفالا بثورتين, وقد تكون هذه المرة الأولي التي يزدوج فيها احتفال يوم25 ويكون للثورة وعيد الشرطة معا ليبرز في الصورة من جديد بشكل واضح, حيث حضر احتفالية عيد الشرطة الرئيس المؤقت للبلاد المستشار عدلي منصور وكذلك الفريق عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة آنذاك. الذكري الرابعة: السيناريو في علم الغيب رغم أنه لا يزال يفصلنا أيام قليلة علي حلول الذكري الرابعة لثورة يناير ولا يمكن التكهن بسير الأحداث خلاله, فإن هناك بعض الشواهد التي قد تساهم في تكوين صورة أولية عنه, بداية من إعلان بعض القوي السياسية والحزبية انشغالها بالاستعداد للانتخابات البرلمانية المقبلة, خاصة أنهم يرون أن هذا أحد أهداف الثورة, وهو استعداد مهم ولا يمكن الانشغال عنه بأي شيء, وصولا لعدد من الحركات الثورية الشبابية التي لا تري من الاحتفال ضرورة مادامت مطالب الثورة لم تتحقق كاملة علي حد تصريحات معظمهم.