في حادث إرهابي استنكره العالم أجمع بمسلميه ويهوده ومسيحييه ومختلف دياناته, وصل الإرهاب إلي فرنسا وضربها في عمق العاصمة باريس مستهدفا مقر صحيفة شارلي ايبدو المعروفة برسومها المسيئة لنبي الاسلام محمد عليه السلام, وإهاناتها المتكررة باسم حرية التعببير لمقدسات الديانات وخصوصا ديانة مليار ونصف المليار شخص حول العالم منهم خمسة ملايين فرنسي. وإذا كان رئيس فرنسا يروج, والفرنسون يعتقدون, أن الإرهاب ضرب فرنسا لأنها أرض الحريات, فالواقع يقول إن الارهاب ضربها لأنها أخفقت سياسيا وثقافيا وأمنيا تجاه مواطنيها الذين يعتنقون الإسلام, ولأنها( فرنسا) فقدت معني كلمة الحرية التي تعني انتهاء حدودها بمجرد بدء أو المساس بحرية وكرامة الآخرين. الإرهاب ضرب فرنسا, والمتهم هو الإسلام والمسلمون ممن يتوقع الكثيرون بأنه تنتظرهم أياما عصيبة بعد الحادث الإرهابي, ولكن من قال إن أيامهم قبله لم تكن أقل بؤسا واضطهادا وعنصرية وهم يتعرضون باستمرار لملاحقات سياسية ومضايقات اجتماعية وهجوم ثقافي لمجرد كونهم مسلمين هناك من يصر دائما علي تحويلهم إلي أقليات تشكل عالة علي المجتمع الفرنسي وتهدد نسيجه الوطني في تكرار لنفس النقاش حول الهوية, التي تسبب الخوض فيها مآسي في القرن الماضي, بعدما تركت الساحة الثقافية والاجتماعية لمجموعة من المتعصبين أمثال الصحفي اريك زمور والروائي ميشيل أولبيك والكاتب رينو كامو ممن يقدمون أنفسهم كمفكرين في مواجهة مايعتبرونه التغلغل الإسلامي في فرنسا ويتباهون بكونهم حراس الثقافة الفرنسية, في إعادة لنفس سيناريو اضطهاد اليهود قبل الحرب العالمية الثانية. التطرف السياسي والتطرف الفكري والتوظيف الخاطئ للحرية مع التحريض الثقافي ضد المسلمين وشيطنتهم كل ذلك كان كفيلا بخلق مناخ للعداء وتبني أفكار انتقامية وإرهابية ضد فرنسا من طرف أبنائها المسلمين الذين ولدوا وتربوا ودرسوا وعانوا التمييز أو التهميش علي أرضها. وما عاشته فرنسا خلال الأسبوع الماضي يجعلها أمام حتمية معالجة موضوع الإسلام ليس باستهداف المسلمين ومقدساتهم وشن هجوم علي أماكن عبادتهم أو الترويج لفكرة ترحيلهم( غير القابلة للتنفيذ أساسا), ولكن بتبني مفاهيم حضارية منفتحة وحداثية, كما دافع عن ذلك الكاتب الفرنسي اودي بلنيل في كتابه من أجل المسلمين, تكرس فعلا ل استثنائية فرنسا كما تدعي, وعدم تركه( ملف الاسلام) لمجموعة من المنظرين أو السياسيين المتطرفين الذي يستغلون هذا الموضوع من باب التوظيف السياسي. كلنا ضد الإرهاب, وكلنا ضد مواجهة الإساءة بالسلاح, لكن يجب علي الأقل أن نعترف أن الإرهاب هو صناعة يشترك فيها الجميع, الإرهاب لم يولد من فراغ, وهو ليس فعلا مستقلا بذاته بل هو في الأساس ردة فعل. وللتصدي ومنع تكرار ردات الفعل هذه يجب البدء أولا بالوقوف عند الفعل وتحليله وتصحيح اختلالاته. فلا يكفي أن يخرج العالم أجمع في مسيرة لمناهضة الإرهاب, بينما من يتصدر المسيرة هم فعلا من صناعه وداعميه ومموليه. ولا يكفي حمل شعارات ضد التطرف, والتطرف الديني بالتحديد, بينما العالم أجمع صار متطرفا في أفكاره وسلوكه وسياساته ومتطرفا في الدفاع عن توسعاته ومصالحه, ولنا في فلسطين وافغانستان والعراق وليبيا وسوريا واليمن ألف مثال. الإرهاب استهدف فرنسا ليدق ناقوس الخطر بأن سياسة مواجهة الغرب له واستراتيجية محاربتهم للإرهابيين في عقر دارهم حتي لايصل خطرهم إليهم لم تعد تجدي نفعا, فالإرهاب صار نبتة خبيثة تخرج من بطن التمييز والتحقير والعنصرية والسياسات الاستعمارية أينما كانت.. وما علي فرنسا والعالم إلا الكف عن الكيل بمكيالين, وتغيير نظرتهم للإسلام وسياساتهم تجاه المسلمين حتي لاتتكرر حادثة شارلي مرة أخري.