أطلقت اللجنة العليا للانتخابات صفارة بداية معركة الانتخابات البرلمانية, التي ستجري في ظروف مختلفة كثيرا عن أي انتخابات برلمانية سابقة, فهي المرة الأولي التي لا يشارك فيها حزب حاكم في الانتخابات, فالحزب الوطني الديمقراطي أطيح به عقب ثورة25 يناير, واحترق مقره الرئيسي, وصدر حكم قضائي بحله, وحتي لو ترشح بعض أعضائه, فإنهم سيحرمون من الدعم الرسمي الحكومي, رلي جانب معاناة أعضاء الحزب من الإرث السلبي لحزب يتحمل أوزار حاكم, تسبب في تدهور الأوضاع في مصر علي كل الأصعدة. كما يغيب عن الحلبة جماعة الإخوان المسلمين, التي كانت تشكل أكبر منافس للحزب الحاكم, وإن تمكنت الجماعة من التسلل رلي ساحة المعركة الانتخابية, فإنها ستواجه صعوبات علي الصعيدين الأمني والشعبي, فالجماعة تحولت إلي خصم وعدو للشعب المصري, بعد إنزالها من عرش الحكم, الذي لم تهنأ ب الجلس عليه طويلا, بفضل ياستها العصبوية, فاستحقت العزلة. ثم المواجهة مع الشعب طوال شهور, تعرضت فيها لمطاردة الجماهير, واحتراق معظم مقراتها, خاصة المقر الرئيسي في المقطم, والذي كان سقوطه إيذانا بانهيار حكم الجماعة. وجاء التحدي المسلح للجماعة ليزيد من ضعفها, عبر حملات أمنية مكثفة أودت بمعظم صفوفها الأولي خلف قضبان السجون أو خارج الحدود. إن أي كلام عن إمكان سيطرة الحزب الوطني المنحل أو جماعة الإخوان المدموغة بالإررهاب هو مبالغة يصعب تحقيقها, وإن كانت إمكانية التسلل قائمة في الحالتين بمجموعة من النواب لا يمكن ان تشكل تأثيرا كبيرا علي مكونات البرلمان القادم. لكن خروج الحزب الوطني وجماعة الإخوان رسميا من حلبة المنافسة علي البرلمان القادم لا يعني ان نوابه سيكونون بعيدين عن توجهات كل منهما كثيرا لسببين رئيسيين أولهما عجز الأحزاب والقوي الياسية الأخري عن تشكيل بديل متماسك تنظيميا وفكريا, أو يتمتع بنفوذ جماهيري قوي وواسع, بدليل فشل معظم الأحزاب والقوي عن الإعلان حتي عن جبهة انتخابية فضفاضة, وفي كل يوم نري خريطة التحالفات تتبدل, بينما الأعضاء الحزب الوطني والإخوان شبكة علاقات ونفوذ وقدرة مالية قادرة علي اجتذاب عناصر جديدة, قد لا تنتمي رسميا لأي من القوتين, لكنها ستكون متأثرة بالتحالف العلني أو الخفي مع أي منهما, المشكلة الرئيسية في سباق الانتخابات الرئيسية هو المال, فالحملة الانتخابية تحتاج في حدها الأدني إلي مليون جنيه علي الأقل, لكل مرشح جاد في المنافسة, وهو مبلغ لا يمكن للكثيرين ان يضحوا به, إما لأن قيمة الحملة غير متوافرة أصلا لدي غالبية الشعب المصري, أو انها لا تستحق التضحية بهذا المال, طالما لايستهدفون تحقيق مصالح شخصية تعوضهم عن خسارة مثل هذا المبلغ. هناك فئتان فقط يمكنهما ان يصرف ببذخ علي الحملة الانتخابية, التي تقدر متوسط تكلفتها ما يتراوح بين خمسة الي عشرة ملايين جنيه, الفئة الأولي هم ممثلو عصابات الفساد, والذين لديهم فوائض مالية كبيرة, وواثقون من القدرة علي تعويض هذه النفقات الباهظة. الفئة الثانية هي مجموعات ستتلقي دعما ماليا من جهات أو شخصيات من الداخل أو الخارج رغبة في التأثير السياسي من داخل البرلمان. إننا إذا سنكون أمام ساحة انتخابية مختلفة تماما في شخوصها وتحالفاتها وحتي آلياتها, حيث من المتوقع تراجع واضح في عمليات التزوير المباشر, والذي كان قد وصم الانتخابات البرلمانية في مصر لعقود طويلة, إلي جانب خفوت في أشكال شراء الأصوات بالصورة الفجة والمباشرة سواء من خلال الرشاوي الانتخابية العينية أو المالية. من المرجح أن نشاهد تشكيل عدة مجموعات متحالفة انتخابيا وليس لها برنامج سياسي متماسك وشامل, بل قد نري تحالفا بين أحزاب وقوي تحمل توجهات متعارضة بعضها معلن وآخر خفي, نتيجة كثرة وتنوع الأحزاب والشخصيات المشاركة, سواء من الأحزاب القديمة أو الناشئة, وسيقتصر التحالف علي الانتخابات فقط, أي انها لن تشكل جبهة متماسكة تحت قبة البرلمان الجديد. المؤشرات الأولية تقول ان الانتخابات لن تفرز قوة سياسية بإمكانها تحقيق أغلبية برلمانية بل ربما ظهر برلمان يتشكل من طيف واسع من الأحزاب والشخصيات ستشكل مجموعات برلمانية صغيرة, وإن المستقلين قد يشكلون أغلبية عددية تفوق أيا من الجبهات أو التحالفات, وهذا الواقع الجديد له عيوبه ومزاياه, ومن أهمها ان البرلمان سيكون متوافقا مع مؤسسة الرئاسة, ولن يكون من القوة أو التجانس ليدخل معها في تحدي أو معارضة قوية رغم الصلاحيات الأوسع للبرلمان الجديد عن جميع البرلمانات السابقة. [email protected]