الذين زاروا الصين خلال السنوات الماضية, سوف يدركون لا محالة معني بيت الشعر العربي وعلي قدر أولي العزم تؤتي العزائم ويمكنهم بالطبع قراءة واحدة من قصص النجاح القليلة في التاريخ, وهي قصة زعيم الصين دينج شياو بينج, صاحب الدور الأهم والنظرة الواقعية التي مهدت الطريق أمام التنين الأصفر للانطلاق, وليصبح القوة الاقتصادية الأولي عالميا. هذه قصة حقيقية لا رتوش فيها ولا تلوين, قصة نادرة المعاني والدلالات, لذلك يجب أن تروي ويستفاد بها علي مستويين المستوي الأول: النخبة الحاكمة في مصر والثاني الشعب بكل فئاته, لكي يتعلم الناس ألا شيء مجاني في هذا العالم وأن دون النهضة والتقدم طريق صعب وطويل مملوء بالعرق والألم والكفاح. ففي العام6791 توفي الزعيم الصيني ماوتسي تونج, وفي العام نفسه توفي رئيس وزرائه شوان لاي, وبعد عامين من الصراع علي السلطة في الصين, وصلت إلي الحكم قيادة جديدة تمتلك رؤية مختلفة عن الرؤية التي كانت سائدة خلال الفترة السابقة. هذه الرؤية عمل بها ورسخها الرئيس دينج شياو بينج. وكان استلام قيادة جديدة لزمام الأمور في الصين في عام8791 قد مهد الطريق أمام بداية جديدة في مسيرة العملاق الآسيوي, والتي انتقلت فيما بعد بالصين إلي مستويات اقتصادية متقدمة قياسا لما كان عليه الحال قبل عام.8791 فالصين كانت خلال الفترة من9491-8791 دولة فقيرة اقتصاديا, حيث كان دخل الفرد متدني جدا, وكذلك الحال بالنسبة لمجمل إنتاجها المحلي ومعدل نموها الاقتصادي,أما الاستثمار الأجنبي فلم يكن له وجود في الصين قبل عام1978, وكذلك إسهامها في مجمل التجارة العالمية كان نسبة قليلة جدا لا تتناسب مع حجمها. لكن الذي ميز هذه التجربة دون غيرها من تجارب التنمية العالمية, هو إنها جاءت علي عدة مراحل مما جعل لها حصانة من الفشل أو الإخفاق الذي كان يمكن أن يصيبها فيما لو تم العمل بها منذ البداية في عموم القطاعات ومختلف المناطق. الحقيقة إن كل ما جري ويجري في الصين, حتي يومنا هذا, من إصلاحات اقتصادية وانفتاح علي دول العالم وخصوصاالدول الغربية, يستند إلي التجربة الاقتصادية التي كان وراءها الرئيس الصيني الأسبق دينج شياو بينج, وقد جسد هذا التوجه بمقولته الشهيرة ليس المهم لون القطة ابيض أم اسود.. مادامت القطة تصطاد الفأر فهي قطة جيدة, بمعني آخر أن المهم هو أن تحصل الصين علي التكنولوجيا ورؤوس الأموال التي تحتاجها من اجل نهضتها. تلك هي باختصار التجربة الصينية وهي في ظني,تجربة متكاملة والتي شملت بناء الاقتصاد والسياسة والثقافة والمجتمع من أجل بناء حضارة متقدمة, وما إلي ذلك. فالصين نموذج اقتصادي يجسد03 سنة من الإصلاح والانفتاح والإبداع الجديد, صاحبه ابتكار نظام مميز وقوي ذي خصائص صينية تواكب العصر.بحيث جري تطوير المفاهيم الماركسية النظرية لتكون دليلا لبناء اقتصاد اشتراكي, وسياسي وثقافي واجتماعي.. إلا أن الهدف الرئيسي من وراء هذه التنمية الاقتصادية المبهرة كان الارتقاء بالشعب. ويقينا فإن النظرة الموضوعية تقتضي تحديد الأهداف ووضوحا في الرؤية, سواء فيما يتعلق بطرائق تعاملنا مع التحديات التي تواجهنا أو المخاطر التي تتعلق بأمننا القومي, لأن الوعي بالمفاتيح الرئيسية للنهوض والمواجهة علي السواء هي وسيلتنا لفك كثير من الطلاسم, ولوضع المقدمات الضرورية للفهم. ولن يتسني لنا تحديد تلك المفاتيح إلا بتنشيط الذاكرة وطرح الأسئلة, خاصة تلك التي تتعلق بقضايا أساسية ترتبط بمصيرنا ومستقبلنا, بل بوجودنا. وفي هذا الإطار تكتسب زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي للصين أهميتها السياسية والاقنصادية, خصوصا أنها تأتي في وقت تتجه فيه مصر بقوة وثبات, لاستكمال المرحلة الانتقالية بإجراء الانتخابات البرلمانية, جنبا إلي جنب مع مواصلة السير, بعزيمة لا تعرف الكلل للقضاء علي الإرهاب, وتحقيق الأمن والاستقرار, وإعادة البهجة والفرح لهذا الوطن العريق, فضلا عن مواصلة السير في مواجهة المشكلات الاقتصادية, وتطوير التعليم, والاهتمام بالخدمات الصحية والكهرباء, هذا لأن بقاء الاوضاع الراهنة علي حالها من شأنه أن يشكل ثغرات, يتسلل من خلالها خفافيش الظلام, ليضربوا استقرار وأمن مصر.