بينما كنت جالسا مع والدتي وزوجتي وأولادي نشاهد واحدا من تلك البرامج المسماه بالتوك شو وهي تعرض حزمة من المشاكل المصحوبة ببعض المشاهد والصور البشعة لدمار هنا وخراب هناك حيث لا تختلف هذه المشاهد كثيرا عن عما نراه في معظم البرامج الأخري حتي أنني ظننت ذات يوم أن هناك مسابقة بين تلك البرامج لاختيار البرنامج الأفضل في عرض أكبر عدد من المشاكل التي تعكس مدي نجاح هذا البرنامج بزيادة إحساس المشاهد بالغم والهم والنكد, وهذا لا ينفصل بالطبع عن زيادة حجم الإعلانات التي ترفع قيمة ما يحصل عليه مقدم البرنامج من أموال. ومع زيادة جرعة النكد والإحباط التي يطل بها علينا ذلك الإعلامي المستفيد, سمعت صوت أمي وهي تتنهد قائلة: لا حول ولا قوة إلا بالله.. إيه يا ولاد, هو مفيش حاجة حلوة في البلد.. كله نكد كده؟. ذهبت نظراتنا إلي أمي ثم عادت تلك النظرات سريعا لمتابعة ما يدور علي الشاشة دون أن ينطق أحدنا بكلمة, وتفحصت وجه ابنتي الصغيرة وهي سارحة في هذا الخراب الإعلامي, وقد تاهت من ملامح وجهها البريء معاني الأمن والأمان والشعور بالاطمئنان. ساعتها أحسست شيئا بداخلي, دفعني هذا الإحساس بأن أتحدث إلي نفسي سائلا: هل يقتصر دور الإعلام علي إظهار كل ما هو سلبي في المجتمع؟ وهل هذه هي الرسالة التي ينبغي أن يقدمها الإعلام للناس؟ وهل يمكن أن ينجح الإعلام في أداء رسالته التنويرية المساهمة بقوة في تشكيل وجدان الناس وتوجيههم نحو حياة آمنة مستقرة؟ وهل الإعلام الناجح هو من يتجاهل الإيجابيات وكل ما هو مضيئ وجميل قد يسهم في زيادة مساحة التفاؤل وفتح أبواب الأمل نحو التعمير والبناء ودعم قيم الحب والانتماء لوطن يشتاق إلي تضافر جهود أبنائه للخروج من هذا النفق المظلم الذي أوجدتنا فيه الظروف السيئة والمتغيرات المتلاحقة خلال السنوات القليلة الماضية؟ وفجأة, سمعت سؤالا لابني الأكبر وقد دعمت كلماته ما كنت أشعر به وأخشاه حيث قال: بقولك إيه يا بابا.. هو احنا ممكن نحب البلد بالشكل ده؟!.