لا تعليق على أحكام القضاء، مبدأوقيمة أخلاقية تضمنتها كل مواثيق الشرف الصحفى، ولكن هناك قضايا رأى عام تتابعها الصحف يوما بيوم وتسارع بنشر تفاصيل ومعلومات قد لاتكون من بين أوراق القضية المنظورة، وتنشر آراء لأشخاص على صلة بالقضية، ماتنشره الصحف يهيئ الرأى العام لحكم أصدرته الصحافة ولم ينطق به القاضى لذا عندما يأتى الحكم مختلفا تحدث الصدمة للرأى العام،فتمارس الصحافة دور النيابة عندما توجه الاتهامات وتتوقع الأحكام. العلاقة بين الصحافة والقضاء كانت محل اهتمام فى مصر، ففى عام 1931 اقترح على ماهر باشا وزير الحقانية - إضافة مادة إلى قانون العقوبات بشأن الجرائم التى تقع بواسطة الصحف أخذا بما هو قائم فى التشريعات الأجنبية لمراعاة قواعد النشر عن القضايا والتحقيقات المنظورة أمام القضاء. وسجل وزير الحقانية فى مذكرته التى رفعها إلى مجلس الوزراء بتاريخ 8 فبراير 1931مالاحظته الوزارة من بضع سنوات عن نشر أخبار وتعليقات وانتقادات بشأن تحقيقات أو محاكمات جنائية أو مدنية مطروحة أمام المحاكم، وصدر القانون 28 لسنة 1937 وبعده قانون العقوبات عام 1937 وماتلاه من تعديلات متضمنا المادة 187 التى تنص على أن يعاقب بالحبس مدة لاتقل عن 6 أشهر وبغرامة لاتقل عن 5 آلاف جنية ولاتزيد عن 10 آلاف جنية أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من نشر أمورا من شأنها التأثير فى القضاء. ولكن هل يتأثر القضاة فى أحكامهم بما تنشره الصحف حول القضايا المنظورة ؟ هذا السؤال كان موضوع بحث أجراه دعبد الله زلطة رئيس قسم الإعلام بكلية الآداب جامعة بنها-وجاءت الإجابة من خلال استطلاع رأى 150 من أعضاء نادى القضاة مثلوا أجيالاً مختلفة،الاستطلاع تضمن عدة محاور كل محور عدة أسئلة: المحور الأول تعرض لعلاقة القضاة بالصحافة وهل هم حريصون على قراءة الصحف؟ وجاءت الإجابة أن 64% من القضاة حريصون جدا على قراءة الصحف، و29% حريصون على قراءتها، و7% حريصون إلى حد ما والخلاصة مفادها اهتمام القضاة بقراءة الصحف. المحور الثانى للاستطلاع تناولت أسئلته مدى رضا القضاة عن التغطية الصحفية لجرائم الرأى العام. أبدى 35% من القضاة عدم الرضا عن تناول الصحف لقضايا الرأى العام لعدة أسباب تلخصت فى أن الصحف توجه اتهامات، وتبالغ فى بعض القضايا. والمتابع لما نشرته الصحف عقب ثورة 25يناير من اتهامات خاصة بالفساد السياسى والمالى لمبارك ورجال حكمه توقع أقصى عقوبة، لذا جاء حكم البراءة صادما لأن القارئ ليس متخصصا فى القانون ولايعرف المواد التى تسقط قضايا الفساد وإهدار المال بالتقادم، مانشرته الصحف لم يرفع توقعات الناس بالنسبة للحكم وإنما داعب أحلامهم فى نصيبهم من الأموال المهربة ،وعندما طالب البعض بعقد محاكم ثورية لمبارك ورجال حكمه كان المبرر لعدم إقامتها ومحاكمته أمام القاضى الطبيعى هو الرغبة فى استرداد أموال مصر المنهوبة والمهربة لبنوك سويسرا لأن هذه الدول لاتعترف بالمحاكم الاستثنائية، ولكن ببراءة مبارك أمام القضاء الطبيعى أصبحت أمواله "حلال عليه". والغريب أن المواد القانونية التى نفذ منها دفاع مبارك لانتزاع البراءة لم يفكر مجلس الشعب الذى جاء بعد ثورة يناير- فى تعديلها ولم يصدر قرار جمهورى بتعديلها ولم تصدرتشريعات جديدة لاتسقط فيها قضايا الفساد بالتقادم. مبارك براءة لأنه يحاكم بقانون به "عوار". والعدل لن يتحقق فقط باستقلال القضاء عن السلطة التنفيذية واستقلاله عن تأثير الصحافة وإنما قبل ذلك بمراجعة القوانين والتشريعات التى صدرت لحماية اللصوص وناهبى المال العام.