اختلف علماء عصرنا في فوائد البنوك هل هي حلال؟ أم أنها حرام؟ فذهب كثير من علماء العصر إلي تحريمها بحجة أن لها فائدة ثابتة, وما دامت الفائدة ثابتة ومحددة فهي حرام لأن تحديد الزيادة ربا والربا من المحرمات . وذهب البعض الآخر إلي إباحتها بشرط تغيير مسماها من فائدة إلي عائد وتناطح الفريقان, وتمسك كل منهم برأيه بل إن بعضهم قد كفر البعض الآخر. واقنسم الفريق الأول علي نفسه فقالوا إن فوائد البنوك حلال إن لم تكن محددة العائد, ومن هناك كانت فكرة إنشاء نوع من البنوك, وهي ما يطلق عليه البنوك الإسلامية. وساق الفريقان الكثير من ظواهر الأدلة التي استدلوا بها من القرآن الكريم والسنة النبوية فالفريق الأول جعلها ربا, وأن ما ينتج عنها من فائدة أو عائد حرام ما دام محددا وثابتا, والفريق الثاني جعلها حلالا بشرط تغير المسمي من فائدة إلي عائد, ولا أدري من أين جاء الفريقان بهذه المسميات وبهذه الأحكام. وأصبح السؤال الواجب طرحه ليس علي هؤلاء العلماء في الفريقين فقط بل يجب طرحه علي المجتمع في وسائل الإعلام لأن هذه القضية لها أثر كبير في أفراد المجتمع بشتي طوائفه وهو: هل كان في المجتمع الإسلامي بنوك من لدن بعث النبي صلي الله عليه وسلم حتي أواسط القرن الثالث عشر الهجري؟ الجواب بالقطع لا فإن كان هذا هو الجواب فلماذا أقحمتم الإسلام في هذه القضية؟ والسؤال الأهم لكل هؤلاء العلماء: هل تعلمون متي نشأت قضية فوائد البنوك, ومن الذي كان ورائها وما كان هدفه من إثارة هذه القضية ومن الذي كان ورائها؟ وأقسم بالله العلي العظيم أن كلا الفريقين من العلماء لا يعرف الإجابة هذا السؤال, ولكن أقول لهؤلاء العلماء جميعا وللمجتمع المصري والعربي, بطوائفه جميعا إن قضية فوائد البنوك قضية آثارها الاستعمار الانجليزي في أواسط العقد الثالث من القرن الماضي فهذه قضية في أساسها قضية استعمارية, وقد يستغرب البعض حين أقول ذلك. وكان وقت ظهور هذه القضية بعد أن أنشأ طلعت باشا حرب بنك مصر, وهو أول بنك وطني عربي في دولة عربية في الوقت الذي كانت فيه البنوك الأجنبية هي المتحكمة في مسار الاقتصاد المصري والعربي فآثار الاستعمار سؤال كان, ومازال مسار الجدل بين علماء الأمة هل فوائد البنوك حلال أم حرام؟. وكان مقصد الفكر الاستعماري من ذلك أن يحجب الغالب الأعم من المصريين من أن يضعوا أموالهم في بنك مصر. ليكون ذلك تقويضا وهدما لهذا البنك لأن الذي نتج عن إنشاء طلعت باشا حرب لبنك مصر أن سحب المصريين ودائعهم من البنوك الأجنبية التي كانت تعمل في مصر في هذه الفترة فزرع الاستعمار هذه الفتنة, وهي هل فوائد البنوك حلال أم حرام؟. فهل يعلم هؤلاء العلماء ذلك أم أنهم تناطحوا في قضية لم ينظروا إلي أساسها, ولا إلي الهدف من إثارتها فأصبح العلماء بين محرم ومبيح من غير نظر إلي منشأ هذه الفتنة, ولا إلي السبب في ظهورها والهدف من ذلك. ودعوني أشيد بالفكر الاستعماري فقد كان ومازال ناجحا في أفكاره السامة التي بثها بين الشعوب فلا زالت تؤتي هذه الأفكار ثمارها, ومازالت رغم مرور ما يقرب من تسعين عاما علي ظهور هذه الفتنة التي زرعها الاستعمار نختلف كعلماء بين مبيح ومحرم لفوائد البنوك بل إن الكثير من العلماء ضيع وقته وجهده في تأليف المصنفات المنهجية في تحريم فوائد البنوك. ومن ناحية أخري فلقد أتت هذه الفكرة ثمارها فاندفع كثير من المصريين بالإعراض عن وضع أموالهم في البنوك خشية مما يطلق عليه فوائد محرمة فوضعوا أموالهم في بيوتهم, وتحت جدرانهم خوفا مما يطلق عليه أن فوائد البنوك حرام. ولم يتوقف الأمر عند أفراد المجتمع في الوطن العربي بل أصبحت هذه الفتاوي منهجا لكثير من الدول العربية فوضعوا أموال شعوبهم في البنوك الأجنبية شرط ألا يحصلوا عوائد هذه الأموال لأنها حرام, ولست ألوم هذه الدول بل إن اللوم عائد علي هؤلاء العلماء الذين يتناطحون بغير علم. فاتقوا الله يا علماء الأمة في أفراد هذه الأمة. وأين الحرام يا علماء الإسلام؟ وحسبي الله ونعم الوكيل وللحديث بقية.