بعد سنوات تبوأت خلالها برامج "التوك شو" مراكز الصدارة الأولى فى نسب المشاهدة، بدأت الفضائيات فى البحث عن "سبوبة" جديدة ومصدر إضافى لزيادة المكاسب ومضاعفة هامش الربح، لم يكن ذلك إلا عن طريق جذب المزيد من الإعلانات التى تبحث بطبيعتها عن نوعية البرامج التى يتعلق بها أكبر عدد من المشاهدين، وهى المسابقات التى لا تخلو من الإثارة أو الإبهار أو افتعال الأزمات، فتفتق الذهن وجادت القريحة ب "افتكاسة" المسابقات الغنائية، والتى أخذت فى التزايد بشكل ملحوظ، وتبارت الفضائيات المختلفة وتصارعت فيما بينها، ظاهرا بالبحث عن المواهب الجديدة، وباطنا باستغلال "حنفية" الإيرادت التى لا تغلق أبدا. وراحت كل محطة فضائية تستعين بالمشاهير من نجوم الغناء ممن أبدوا موافقاتهم - غيرالمشروطة للمشاركة فى لجان التحكيم، الحال واقف، والسوق الغنائية "نايمة"، والقرصنة أحدثت ركودا فى سوق الكاسيت و"خربت بيت المنتجين"، ولأن الحفلات شبه منعدمة، فالأضواء بعيدة عن أهل المغنى، فما المانع من ضرب عصفورين بحجر واحد، والجمع بين "الحسنيين". المال والشهرة، والتعامل مع مثل هذه البرامج على أنها "نحتاية" بلغة "الآلاتية". غير أن مكاسب أعضاء لجان التحكيم لا تقارن بمكاسب أصحاب الفضائيات الذين يضعون نصب أعينهم الربح فى المقام الأول والثانى والثالث، أما حكاية تقديم المواهب الشابة فإن كانت فى حساباتهم فهى تأتى فى مرتبة متأخرة، ولا تخلو من المجاملات الفجة، والحسابات الخاصة لكل صاحب محطة، وما يمارسه من ضغوط على فريق التحكيم "الخصوصى" بفلوسه، وأصبحت هذه البرامج تدخل فيها المصالح الدولية وتتحكم فى نتائجها الاعتبارات السياسية بين البلاد، ولا تأخذ بالاً لمسائل التصويت للموهبة الفلانية أو العلانية، فالنتيجة معروفة مسبقا من الكنترول، وبعض المحكمين أحيانا تصحو ضمائرهم الفنية طبعا - وتنخلع قلوبهم لخروج متسابق ولكنهم يرجعون النتيجة لتصويت الجمهور!. رغم أن هذه المسابقات باعتقادنا "نصباية" دمهاخفيف ومغلفة بسوليفان التشويق والترفيه، وأنها لزيادة الجماهيرية تستعين بأى مطرب لامع أو مطربة شهيرة وأغلبهم لم يدرس الموسيقى أكاديميا بل يغنى "سماعى نهاوند"، وبالتالى لا يكون حكمه دقيقا على موهبة ربما هى أفضل منه، ورغم أن أعظم جرم يرتكب فى هذه "السبوبة" هو عدم الاستمرارفى رعاية تلك الأصوات الشابة، فلا نرى أو نسمع عنها شيئا بعد انتهاء البرنامج إلا فيما ندر، وتعود بعدما عاشت لأسابيع تحت وهج النجومية تعد "الفلنكات" بعدما تركوها فى مفترق طرق مثل التى رقصت على السلم "لا اللى تحت شافوها ولا اللى فوق تبنوها"، إلا أن اللافت للنظر هو كم الإبهار المركز و"الشو"المصروف عليه ببذخ لزوم الشغل وجلب الإعلانات، مسرح كبير، وديكورات فخمة، وإضاءة مبهرة، وجمهور منتقى "على الفرازة" وموسيقيون مهرة للعزف خلف المتسابقين، الذين يجدون كل رعاية وعناية طوال فترة المسابقة فقط من أشخاص يعلّمون الموهبة كل صغيرة وكبيرة قبل ظهورها على المسرح بداية من الغناء، مرورا بكيفية مواجهة الحضور وانتهاء بالملابس وتسريحة الشعر. أما أشد ما يحزن أى غيور على مكانة بلده الفنية، وما آل إليه حال الفن وصناعة الإعلام أننا تأخرنا عن الركب محطات ومحطات، وبدأ البساط يسحب من تحت أقدامنا، وتحولت "الريادة" إلى "وسادة" نركن إليها ونغط فى نوم عميق، وبعدما كانت القاهرة "عاصمة الفن العربى وهوليود الشرق، وبعدما كان لا يستطيع أى صوت فى وطننا الأكبر أن يحصل على جواز مروره إلى الإسماع إلا عبر "أم الدنيا" التى احتضنت و"لمّعت وصنفرت" وأطلقت إلى سماء النجومية الكثير من المواهب، أصبحنا فى ذيل القائمة لأننا مازلنا نعيش على أمجاد الماضى فى زمن لا يعرف سوى الحاضر والمستقبل، وكان الأحرى بنا أن تقام على أرضنا وداخل استوديوهاتنا برامج هادفة لاكتشاف النجوم وصناعتها فى جميع المجالات والأخذ بأيديها ورعايتها حتى تقف على عتبات النجاح الحقيقى، لا البرامج التى تقدم فى دول شقيقة، وللأسف لا تسعى لشىء سوى حرق خيرة مواهب عالمنا العربى، وكتابة شهادة وفاتهم فنيا قبل أن يبزغ نجمهم، وتقديم وصلات من "الردح" و"الغمز واللمز" والخروج الدائم عن النص لبعض أعضاء لجان التحكيم، وقبل كل شىء تحقيق أعلى ربح مادى ممكن.