الكومبارس هم مجاميع ممن يعملون بالفن ويؤدون أدوارا قد لا يهتم بها المشاهد، منهم من يكون ظهوره فى العمل صامتا، ومنهم المتكلم وهذا لا يزيد دوره فى أغلب الأحيان عن كلمة أو اثنتين، وان "زعق له نبى" ربما يقول جملة كاملة، ومنهم من يقضى حياته كلها بحثا عن فرصة للشهرة والتحليق فى سماء النجومية غير أنها لا تتحقق رغم موهبته. وللكومبارس دور أساسى ومهم فى أى عمل فنى، فلا ينجح فيلم أو مسلسل بدونهم فهم المحرك الأساسى للدراما، ولأن معظم شركات الإنتاج ومكاتب "الريجيسيرات" المسئولة عن إحضار الكومبارس كانت تتمركز فى منطقة وسط البلد فقد استقر حال هؤلاء الفنانين على التجمع بمقهى تقع فى شارع سليمان الحلبى القريب من شارع عماد الدين أطلق عليها نجمنا رشدى أباظة - آنذاك - اسم "بعرة"، يلتقى فيها "غلابة" أهل الفن ويتجمعون حينما يكون هناك "أوردر" تصوير، وبعدما آل حال السينما إلى ما آل إليه أمسى رواد المقهى يقضون وقتهم فى لعب الطاولة وشرب الشيشة على أمل قدوم أحد "الريجيسيرات" واختيارهم للمشاركة فى عمل، وفى أغلب الاحيان لا يحضر أحد، ومن هنا أصاب ضيق ذات اليد هذه الفئة التى قامت على أكتافها ثانى أهم صناعة تدر دخلا للوطن، وأصبح المقهى خاويا من رواده، أما عن النجوم الكبار من المشاهير فالأمر لا يعنيهم، لهم وضعهم الخاص كغيرهم من علية القوم فى كل مجال، يصلهم "السيناريو " حتى مكاتبهم، ويفرضون أسعارا لمجرد القراءة وإبداء الرأى فى العمل، وإذا كان النجم منهم سيقبله أم لا. حال السواد الأعظم من أبناء هذا الشعب المطحون كحال الكومبارس تماما، لا حول له ولا قوة فى هذا السيناريو رغم أهمية دوره، وعدم دوران عجلة الحياة بدونه، وإذا كنا شعبا لا يعرف المستحيل، ومرت علينا أزمات كانت أقسى مما نمر به الآن من صعوبات ومخاوف اقتصادية، غير ان المواطن البسيط انهك وبات لا يستطيع ملاحقة الزيادات المتتالية فى الأسعار، والمشاكل المعيشية التى لا يمكن أن يتعامل معها أو يجد لها حلا، فهو يدور فى حلقات مفرغة من مشكلات رغيف العيش - رغم المنظومة الجديدة للكارت الذكى - والمواد البترولية ومستشفيات حكومية مازالت حالة الرعاية الصحية فيها حرجة جدا، وقلّة الأدوية وتأخر بعضها فى مديريات الصحة، والتعليم الذى خرج عن مساره وألهب جيوب أولياء الأمور، ومياه الشرب المختلطة بالصرف الصحى، وارتفاع أسعار الكهرباء والغاز والمياه والأسمدة، والمواصلات غير الآدمية والاختناقات المرورية، وتلال القمامة ومخلفات المبانى، هذا غير الانفلات الأمنى والأخلاقى، أما عن البطالة فالأمر أبعد من ذلك بكثير وتجاوز كل الخطوط. هذه المشكلات لا يشعر بها الأغنياء ونجوم المجتمع، بل الناس الغلابة والمهمشون على أطراف الحياة والذين يعيشون دنياهم كالكومبارس، فهم محرومون من المقومات الأساسية للحياة الإنسانية، يفترسهم الفقر والمرض والجهل ويشعرون أن الحرمان قدر مكتوب عليهم، فى حين أن جشع الفاسدين والمتلاعبين بأقوات الفقراء أصبح فاحشا، وواضحا أمام الجميع أنه العدو الأكثر خطورة على الدولة، فالفاسد هو كل من لا يفكر إلا فى نفسه ومصالحه الخاصة ومنفعته الشخصية، هو الموظف المرتشى، والتاجر المستغل، والمسئول منعدم الذمة، ومن تقبل العزاء فى ضميره. أزعم أن المواطن المصرى الكادح تحمل ما لم يتحمله غيره، ولهذا فهو ينتظر من المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء وحكومته المبجلة أن تسعى جاهدة لتخفيف الأعباء التى أثقلت كاهله، وأن تضعه فى مقدمة أولوياتها، بالتعرف على همومه ومخاوفه واتخاذ جميع الإجراءات اللازمة والحلول الحاسمة، خاصة وأن الجميع يعلم ورئيس الحكومة يعترف بأن الخطوات الإصلاحية - حتى الآن - مازالت بطيئة. هذا المواطن يعلم تماما بفطنته وذكائه أن قرارات الحكومة برفع الدعم إنما هى ضرورة حتمية لإخراج البلاد من أزمة اقتصادية خانقة، ولكن ماذا يصنع هذا الغلبان المطحون فى "مطحنة" الحياة؟ لابد للحكومة أن تسرع خطى الإنجاز حتى يتفرغ الشعب للعمل والإنتاج، والوزير الذى لا يعمل بكفاءة وهمة ويسكن برجا عاليا. عاجيا عليه أن يترك موقعه فورا ويذهب غير مأسوف عليه ليحجز له كرسيا على "قهوة بعرة".