هو رجل ملتزم.. في الجزء الاكثر التزاما من العمر حيث الحسابات تشكل طرفا فكريا لا يمكن الاستغناء عنه, والاسترسال وراء الافكار يكاد يكون التزاميا مع وضع الرأس فوق وسادة النوم تذكر انه اعتاد وضع بعض النقود في حافظته لصيقة مع جلد الحافظة اسماها المنقذ في الازمات وتذكر حين كانت ورقة العشرة جنيهات المجنبة في حافظة نقوده تكاد تشكل منقذا في جميع المواقف.. عزومة مفاجئة.. شراء ملابس طارئ.. استجابة لطلب البعض في السلف في نهاية الشهر, المهم انها كانت تستطيع الرد علي معظم ان لم يكن كل ما يمكن ان يواجهه من احتياجات طارئة بعيدا عما في الحافظة من نقود معلومة حيث كان يتناسي دائما العشرة جنيهات مع احتفاظه بأحساسه بالقدرة علي مواجههة الطوارئ حيث يستعيض العشرة جنيهات مرة أخري في مكانها داخل حافظته دائما. العادة مريحة ومنقذة وهكذا صارت الامور حتي فترة احس فيها ان العشرة جنيهات لم تعد كافية للوفاء بمهمة انقاذ الطوارئ, فبدأ في زيادتها تدريجيا حتي وصلت اخيرا الي ان تكون مائة جنيه جديدة ورقة واحدة. يعرف ايضا ان هذه العادة اصبحت مجالا للتندر بين الاصدقاء احيانا ولكنها كانت مقنعة تماما في وقت الشدة فلم تعد مجالا للتندر فيما بعد. تذكر منذ ايام وقد جلس امام مكتب الدخول المؤدي إلي مكان عمله المرموق في الدور الخامس ومرت موناليزا كما اسماها خلسة في داخله كما كان يكن لها الكثير من الاحترام الذي لا يخلو من اعجاب ايضا وكان يدندن بين نفسه احيانا واثق الخطوة يمشي ملكا, انثناءات خاصة جدا.. اشراقات خاصة جدا.. ابتسامة تفتح ابواب الدنيا.. وضحكة لا تغلقها ابدا, لا مجال للحوار العادي بينه وبينها والافتعال ليس من طبعه فأكتفي غالبا في دفء الشمس من خلف زجاج دون تعمد او موقف لافت للنظر. تذكر يوم ان مرت مسرعة من امامه وهو جالس في هذا المكان وتذكر عبارة لاريث ولا عجل وقال في نفسه لاريث فهذا واضح اما الاستعجال فكان لافتا للنظر يومها حين دلفت مسرعة وقالت للحاضرين اريد نقودا سريعة لادفع لصاحب التاكسي علي الباب وحافظة نقودي لم تسعفني, اذا كان الاخرون قد مدوا ايديهم الي جيوبهم للوفاء بالمطلوب فانني كنت اسرع في انتزاع المائة جنيه من حافظتي,دفعت بها اليها وسمعت همسة عاجلة بكلمة ميرسي نهاية لموقف ادي لبداية مواقف من جانبي فيما بعد. ليست مشكلة مائة جنية استطيع استعواضها بغيرها لتقوم بدور المنقذ في الازمات لكن المشكلة هي الحوار الداخلي الذي تربع في مخيلتي, افكارا علي شاكلة بسيطة مائة جنيه انمقذت الموقف, وشاكلة الشهامة صفة اصيلة وشاكلة المطالبة بمبلغ قد تشكل تصرفا غير مناسب والافضل ان يأتي رد المبلغ تطوعا أو بالصادفة, حاول تناسي الموقف كله الا انه كما لو كان متعلقا بها وليس لاسباب مادية. اقترب يوما من مجلسها السابق امام مكتب الاستعلامات علي المدخل وتردد قليلا ثم سأل احد الرفاق لعلك تذكر يوما وكنت اجلس الي جانبك هنا فتذكر الرفيق وقال كما لو كان لم ينس قط تقصد مدام انشراح؟ فسأله فعلا تلك التي اخذت منك ورقة بمائة جنيه وبادره بالسؤال: الم تطلبها منها منذ وقتها؟ فاجاب انه لم يفعل ورجاه ان يقوم هو بهذه المهمة. في اليوم التالي جلس الي نفس الرفيق امام مكتب الاستعلامات وكانت دهشته كبيرة عندما عادله الرفيق بالقول هي تقول انها تأخرت عليك كثيرا عموما فقد ارسلت اليك النقود وابلغتني ان اشكرك.. افتح يدك.. جنيه.. خمسة.. عشرون.., فسأله لماذا ليست قطعة واحدة فاجابه ببساطة: ربما هي طلبت مني ذلك حتي تزيد في شكرك ولا تدري ان كانت قد تأخرت عليك كثيرا. تذكر ايضا انه ذهب الي اقرب مكان حيث اعاد تصحيح المائة جنيه واعادها مرة اخري الي مكانها في الحافظة وهو يتمتم بعبارات ساهمة مائة جنيه جديدة ورقة واحدة.