كيف حالك.... ؟؟.... أشعر بالحزن.. مكتئب.. لست علي مايرام.... يعني... أهي ماشية... الحمد لله علي كل حال... ولا ما أنا عارف... مثل هذه الردود باتت هي الإجابة الطبيعية التي ألفت أذاننا سماعها فور طرح السؤال السابق عليها...!! أصبح من النادر جدا أن تسمع أحدا يجيب قائلا.. إني سعيد.. أشعر بالتفاؤل.. الحياة بمبي.. بكرة أحلي.. أنا موز ولوز اللوز.. تري هل أصبحنا مجتمعا كئيبا.. لماذا كلما اختلسنا لحظات من الضحك نقول اللهم أجعله خيرا.. هل هو شيء حتمي أن يأتي الحزن في أعقاب الفرح؟؟.. الشعب المصري عبر تاريخه الطويل كان يتميز بأنه ابن نكته.. يضحك حتي في أحلك الظروف.. لكنه الآن فقد أهم صفاته.. فقد شهامته ونخوته إلا قليلا.. والأهم من ذلك أنه فقد ابتسامته.. صار لأسباب قليل منها معروف وأغلبها مجهول يعاني من الاكتئاب واللامبالاة.. في العمل تراه نائما أو مشتتا أو يقضي معظم وقته علي مواقع التواصل الاجتماعي.. هذا العالم الافتراضي بات يري نفسه فيه أكثر بعد أن فقدها بنسبة كبيرة في عالم الواقع.. ففي هذا العالم الافتراضي لا قيود ولا حدود يمكن ان تختار أي اسم تشاء أن تضع أي صورة ترغب.. أن تطلق علي نفسك اسم امرأة وأنت رجل والعكس.. أن تتخفي وراء اسم مستعار لتخفي شخصيتك الحقيقية... أعرف كثيرا من أصحاب المناصب المرموقة ينشئون صفحات وهمية بأسماء مستعارة ينفسون فيها عن كبتهم ويخلعون علي أعتابها كل عقد منصبهم.. خلاصة الأمر أننا بتنا شعبا مستعارا كأسماء الكثير منا علي فيسبوك وتويتر وغيرهما.. شعبا هاربا من واقعه طوال الوقت.. كئيبا... يستمتع بالنميمة ويعشق معرفة أخبار وأسرار الأخر.. لم نعد كما كنا مترابطين.. قديما كنا نلتف حول مائدة واحدة.. كانت البيوت مفتوحة والقلوب أيضا.. الآن بات كل منا يخشي جاره يتخفي منه بل بات يخشي حتي من أسرته.. مفردات الحسد والعمل والسحر والفك والربط المشايخ والدجالين وتجار الدين.. باتت شائعة في بيوتنا بصورة لا يمكن لعقل أن يتخيلها.. المؤسف أن هذا الأمر لم يعد مقصورا علي طبقة بعينها.. بمجرد أن يصيب أيا منا مكروه يقول إن فلانا يحسده.. كل بنت لا تتزوج.. تكون إجابتنا الساذجة والجاهزة.. معمول لها عمل.. كل رجل يفشل في ليلة الدخلة مربوط.. وكل امرأة يهجرها زوجها.. حماتها تسحر لها.. يا له من مجتمع مفكك.. من الطبيعي لمجتمع مثل هذا ألا يفرح.. أن يبدو حزينا ومكتئبا طوال الوقت.. أن ينظر إليك ببلاهة ويمط شفتيه حين تسأله.. هذا السؤال الغبي... كيف حالك؟ الإحصائيات الصادرة عن منظمة الصحة العالمية تقول, إن ما يقرب من7% إلي10% من سكان العالم يعانون من الاكتئاب!!.. بالطبع الظاهرة تتفاقم بشكل أكبر في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وحتي دول الخليج في ظل ما تشهده هذه البلدان من أزمات اقتصادية, وصراعات وحروب. وتقول عالمة النفسميلاني كلاين إن المعاناة التي يسببها الاكتئاب النفسي للبشرية, تفوق بقية الأمراض الأخري مجتمعة. وتتفاوت أسباب الاكتئاب وتفسير الأطباء له, ففي السابق كان الاكتئاب ينسب إلي السحر أو الأرواح الشريرة وغيرها من تفسيرات غير علمية. أما الآن فهناك عدة نظريات تحاول تفسير الاكتئاب.. هناك فئة من العلماء تعتقد أن السبب يعود إلي التربية القاسية في الطفولة, أو الصراعات التي يعيشها الإنسان بين واقعه وما يتمناه وهذا التفسير الأخير ينطبق تماما علي الحالة المصرية. إن المسألة برمتها تتعلق بأن الكثير منا بات فاقدا للأمل في المستقبل.. حالة الاكتئاب تسيطر علي كل تفاصيل حياتنا.. قديما كان هناك أغان ترقص بالفرح وأفلام تدعو للبهجة وشعر رومانسي يعطر أجواءنا.. اليوم كل الأغاني باتت حزينة مليئة بالشجن وأفلامنا تكسوها الدماء والظلم والاكتئاب واللجوء للحلول الفردية أو البطل الأسطوري الأوحد مثلما كان الحال بعد نكسة67.. فهل نحن في نكسة بالفعل.. لماذا هذا الاستغراق في الحزن والهروب من الواقع والنظرة السوداوية المتشائمة إزاء كل شيء.. إن أخطر شيء علي الأمم هو اليأس.. فتري هل بلغ بنا اليأس مبلغه.. هل بات التفاؤل سلعة غالية لهذه الدرجة.. وهل سيأتي يوم تسأل فيه شخصا ما.. كيف حالك..؟ فيجيبك بأنه متفائل.. أنه يري المستقبل أكثر إشراقا.. إن الحياة بمبي.. حين يحدث ذلك سنكون أعظم الأمم وحتي يحدث ذلك أسألكم أن تتفاءلوا ولو قليلا.. وللحديث بقية. [email protected]