بتساءل أبناء الصعيد: هل سيفتح مشروع قناة السويس الجديدة أبواب الرزق لأبناء الصعيد؟ السؤال يعكس واقعا صعبا يعيشه المواطن في صعيد مصر سعيا وراء الرزق والعيش الكريم.. البيانات الرسمية تقول ان ثلث سكان مصر يعيشون في الصعيد, وأن معدلات الفقر بين هؤلاء المواطنين تتراوح مابين36% في شماله وتقارب60% أقصي جنوب الصعيد. نقطة البدء لمواجهة الفقر تتمثل في حصول الإنسان علي عمل يضمن له ولأسرته دخلا يكفي للحياة الكريمة.. الصعيد يعاني من ضآلة فرص العمل في حين أن أكثر من50% من سكانه هم من الشباب في الشريحة العمرية تحت25 سنة.. أي هي الشريحة التي تتطلع حاليا وخلال السنوات القليلة المقبلة الي العمل والانتاج وتكوين أسرة.. ضآلة فرص العمل في الصعيد هي إذا قنبلة موقوتة تهدد بالانفجار الاجتماعي خاصة في ظل تربص قوي الظلام والتطرف,, علي مر العقود الماضية استهدف المستثمرون توطين مشروعاتهم في القاهرة والإسكندرية.. الاستثمار الخاص عازف عن التوجه الي الصعيد.. والاستثمار العام تقلص بعد انسحاب الدولة من النشاط الانتاجي والكف عن اقامة مشروعات صناعية في صعيد مصر حينما كانت الدولة تقيم مشروعات مثل مصنع كيما للأسمدة بأسوان ومجمع الألمونيوم بنجع حمادي كانت تتيح فرص عمل وتقيم مجتمعات سكنية وعمرانية تلتف حولها الخدمات وتتحسن معها حياة البشر.. الحكومة كفت عن إقامة المشروعات الجديدة والقطاع الخاص لايستجيب لما تقدمه له الدولة من محفزات للذهاب الي صعيد. الافتقار الي الخدمات الأساسية يشكل أحد الجوانب الرئيسية المفسرة لبؤس حياة المواطنين وهروب الاستثمارات من الصعيد, فالدولة لم تكتف بالانسحاب من النشاط الانتاجي بل وأنسحبت أيضا من دورها الأصيل في توفير البنية الأساسية والخدمات العامة. فالدولة تتعامل مع الفقر في صعيد مصر بمنطق المسكنات, وتتبني الحلول التي تقوم علي التخفيف من حدة المشكلة, وليس المواجهة الجذرية لها.. تعتبر أن الحل هو البرنامج الذي يستهدف تخفيف حدة الفقر في1153 قرية معظمها في الصعيد بوصفها القري الأكثر احتياجا في مصر.. خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية للسنة المالية الحالية تقول إن الدولة تستهدف التدخل تدريجيا للارتقاء بالخدمات العامة والاحتياجات في تلك القري الأكثر احتياجا.. إذا المشكلة أن الدولة تعترف وتقر بتردي الخدمات الأساسية في تلك القري ولكنها تتعامل معها بمنطق التدرج وإلي حين ميسرة. فالمرحلة الأولي من البرنامج المستهدف, والتي تغطي151 قرية, بدأت منذ أربعة أعوام ولم تنته بعد.. فهل المطلوب من فقراء القري الأكثر احتياجا في صعيد مصر الانتظار لأكثر من ثلاثين سنة مقبلة كي يتمكنوا من الحصول علي الحد الأدني الآدمي من الخدمات الأساسية اللازمة لحياتهم؟!!. لايمكن الحديث عن تنمية اقتصادية حقيقية بينما تعيش نسبة مهمة من الشعب تحت حد الفقر, ولا يمكن الحديث عن عدالة اجتماعية في مجتمع لا تتوافر فيه فرص متساوية لجميع المواطنين للحصول علي عمل بأجر يكفل العيش الكريم.. الفرصة المتكافئة في الدخول الي سوق العمل تفترض فرصة متكافئة في الحصول علي التغذية والرعاية الصحية والتعليم والتدريب الذي يجعل الإنسان مؤهلا للعمل وقادرا عليه, كما تفترض توزيعا جغرافيا عادلا للمشروعات المختلفة يتيح لكل أبناء الوطن أبوابا مفتوحة للرزق. إن الحوافز الضريبية لاتكفي لاجتذاب القطاع الخاص للاستثمار في الصعيد.. نريد من الدولة القيام بدورها في توفير الخدمات العامة الأساسية من مياه وكهرباء وصرف صحي وطرق آمنة ووسائل انتقالات وتعليم وصحة.. لا يمكن ان يبقي الفقر في الصعيد في انتظار رحمة الاستثمار الخاص.. نريد من الدولة العودة لإقامة المشروعات الإنتاجية في الصعيد ليكون منطقة جاذبة.. نريد حقوق المواطنة الكاملة لأبناء مصر في الصعيد. خبير تنموي