إن المتابع لواقع التعليم المصري بمرحلتيه قبل الجامعي يستطيع أن يرصد حالة التردي وانخفاض مخرجات هذا التعليم الرسمي, ومن الشواهد علي تدهور نظام التعليم في مصر انخفاض العائد الاقتصادي والاجتماعي, بمعني أنه لا يوجد فارق كبير بين معارف ومهارات خريج كلية التجارة وبين خريج المدرسة الثانوية التجارية, لا يوجد هذا الفارق الذي يبرر الجهود والنفقات التي بذلت لمدة4 سنوات علي خريج التجارة, وهناك عدة أسباب تفسر تردي نظام التعليم الرسمي وأهمها:- تدخل الاعتبارات السياسية والأمنية,- الولاء لأشخاص وليس لنظم وسياسات عمل,- قصور في نظم ومناهج إعداد المعلمين,- التوسع في التعليم العالي علي حساب إتاحة التعليم الأساسي وجودته,- الأداء الآلي للمؤسسات التعليمية وانفصالها عن الأطراف ذات العلاقة,- الاعتماد علي الخبرات التقليدية المتوارثة في استحداث مقررات وتطويرها دون التأكد من وجود حاجة,- انخفاض قدرات بعض القائمين بالتدريس في المرحلتين, وكثير منهم يدرسون ما يعرفون وليس ما يجب أن يدرس,- قصور في مخصصات التعليم وبالتالي نقص في التسهيلات والموارد. ورغم أهمية الموارد المالية وتحكمها في كثير من جوانب العملية التعليمية, إلا أن المشكلة الأكبر تتمثل في المنهجية وفي الذهنية التي تدير المنظومة التعليمية أو ما يسميSoftWare والخلل الواضح في نظام التعليم قد شجع كثير من الجمعيات والمبادرات ومنظمات المجتمع المدني علي الدخول إلي المؤسسات التعليمية بتقديم برامج تدريبية في مجالات عديدة مثل المهارات البينية واللغات وبرامج الحاسب الآلي وريادة الأعمال, وقد حققت قلة من هذه المبادرات بعض النجاحات وأن نواياها صادقة وتمويلها لا غبار عليه, لكن الأكثرية من هذه الجمعيات والمشروعات لا يقدم شيئا ذو قيمة كما أن أسلوب عملها وتمويلها عليهما علامات استفهام كبيرة, كما أن غياب الدور الرسمي للدولة في إعداد وتأهيل الطلاب لسوق العمل قد جعل طلابنا فريسة لهذه الجمعيات, وقد لمست بنفسي أن كثيرا من الطلاب يظهرون ولاءا لهذه الجمعيات والمبادرات أكثر من ولائهم لمدرستهم أو جامعتهم. وطالما أن المؤسسات التعليمية هي المسئولة عن القصور في البرامج الأكاديمية وما حولها من بيئة تعليمية ومعلمين وأساليب تدريس ومواد علمية, فالمسئولية المجتمعية تلزم هذه المؤسسات بإصلاح هذا القصور-مع تسليمنا بالقيود والظروف الصعبة التي تعمل فيها- وذلك بتقديم برامج تدريبية لطلابها عبر سنوات دراستهم بإكسابهم معارف ومهارات الحصول علي الوظائف, والاستعداد للعمل وبدء الحياة العملية بنجاح, ويجب أن تصمم هذه البرامج التدريبية التي تؤهل الطلاب لسوق العمل بناء علي دراسة احتياجات وتحديد فجوة المهارات وذلك باستطلاع رأي المستخدم النهائي ونقصد الشركات والمؤسسات, وهنا نطبق مبدأ تأكد ولا تفترض الذي لا يراعي في تصميم البرامج الأكاديمية في المؤسسات التعليمية. وطالما أن هناك صعوبة في ربط التعليم بسوق العمل, فإن البديل الأسهل هو ربط التدريب باحتياجات سوق العمل, وهذه دعوة لأجهزة الدولة ومسئولي التعليم والتوظيف وعن شباب مصر لإطلاق مبادرة قومية تتبناها القيادة السياسية من أجل تعظيم الاستفادة من ثروة مصر البشرية والاهتمام بصانعي مستقبل مصر من طلاب وخريجي الجامعات والمعاهد العليا, وهذا يعني أن الدولة بكافة أجهزتها يجب أن تعمل في خطين متوازيين: خط الحجر أي كل ما يتعلق ببناء المرافق والطرق واستصلاح الأراضي والمشروعات التنموية, وخط البشر أي كل ما يخص التنمية البشرية من تعليم وصحة وتدريب ورعاية الطفولة والأمومة وكل ما يعمل علي تنمية الانسان ويأتي علي قمة أولويات التنمية الشاملة البعد الخاص بالتعلم المستمر.