تمثل الاعترافات الأخيرة التي صدرت عن قادة سابقين في جيش الدفاع الإسرائيلي بهزيمة يوم كيبور, توثيقا جديدا لوقائع تلك الهزيمة المرة التي مني بها ما كان يسمي سابقا الجيش الذي لا يقهر علي يد الجيش المصري, في حرب اكتوبر من العام1973, وهي الهزيمة التي ظلت إسرائيل لنحو أربعة عقود من الزمان, تصر علي نكرانها, والترويج لمزاعم من قبيل أن ما حدث لم يكن انتصارا كاملا لمصر, وأن جيشها بعد أيام من اندلاع الحرب, كان أقرب للقاهرة من تل أبيب, وأنها الحرب لو إستمرت يوما واحدا إضافيا, لتمكنت من تغيير المعادلة علي الأرض, وإلحاق هزيمة ثانية بالجيش المصري في سيناء. تواصل الإنكار الإسرائيلي, حتي حسمت الاعترافات التي صدرت العام الماضي عن وزارة الدفاع الإسرائيلية, جدل جنرالات الهزيمة هناك, مؤكدة أن ما حدث, كان هزيمة بامتياز لا يجب أن تتكرر مرة أخري مهما كانت الظروف. وربما يكفي ما دار خلال معركة الدبابات المعروفة باسم معركة المزرعة الصينية التي دارت يوم15 أكتوبر, للدلالة علي حجم الانتصار العربي الذي تحقق في الحرب, ليس فحسب انطلاقا من وقائع تلك المعركة, حسبما تسجلها الوثائق المصرية, ولكن من خلال إعترافات الضباط والجنود الصهاينة الذين عاصروها, وسجلوا مذكراتهم مؤخرا, وتم نشرها في العديد من الصحف والمواقع العبرية, وهي المذكرات التي تكشف ملامح تلك البطولات الاسطورية التي قام بها أفراد الفرقة16 مشاة, وكيف أذهلت هذه الفرقة الصغيرة في عددها وعتادها, العدو ولعبت الدور الكبير في تحقيق النصر. كانت مهام هذه الفرقة الصغيرة, قد بدأت يوم6 أكتوبر, بعبور القناة خلال فترة لم تزد علي نصف ساعة فقط, وهو نصف الوقت الذي كان مقررا لها في خطة العبور, قبل أن تبدأ في التقدم داخل سيناء باتجاه الشرق, وتنجح خلال زمن قياسي في تنفيذ مهمتها الرئيسية, باستيلائها علي رءوس الكباري, وكانت حصيلة ذلك حسبما تشير يوميات الحرب في السجلات العسكرية, تدمير5 دبابات من قوات العدو, وعزل النقطة القوية بمنطقة الدفرسوار وحصارها, قبل أن تقوم الفرقة تاليا بتطوير الهجوم, باحتلال رأس الكوبري النهائي, مع الاستمرار في صد وتدمير هجمات العدو المضادة, إذ كان الهدف الرئيسي لقوات العدو, التي قررت التحرك باتجاه القناة, هو ضرب رءوس الكباري, لعزل قوات الجيش المصري في الشرق, وتحديد حركته في صحراء سيناء, ومن ثم قطع الإمدادات القادمة من الضفة الأخري عنه. كان المشير محمد حسين طنطاوي, وزير الدفاع ورئيس المجلس العسكري الأسبق, هو أحد أبطال تلك المعركة, وكان وقتها يشغل موقع قائد الكتيبة16 من الفرقة16 مشاة, برتبة مقدم أركان حرب, ويتذكر الذين شاركوا في تلك المعركة التاريخية من جنود وضباط الفرقة, كيف واصلت القوات الإسرائيلية القصف علي مدار يوم كامل, علي جميع الخنادق ومواقع القيادة للفرقة, ورغم أن الهجوم تواصل حتي غروب شمس يوم15 أكتوبر, إلا أنه لم يسفر سوي عن إصابة3 جنود فقط, بسبب خطة التمويه والخداع التي اتبعتها الفرقة, التي كانت تحرص علي تغيير مواقعها باستمرار, عقب كل طلعة استطلاع تقوم بها الطائرات الإسرائيلية. في مساء15 أكتوبر بدأت الدبابات الإسرائيلية تتحرك باتجاه المزرعة الصينية, إيذانا بالبدء في تنفيذ هجوم شامل, تركز علي الجانب الأيمن للكتيبة باستخدام3 لواءات مدرعة, بقوة بلغت280 دبابة, ولواء من المظلات الميكانيكي, تحت قيادة إيريل شارون, لتدور معركة حامية بين الجانبين, انتهت إلي تدمير12 دبابة إسرائيلية, فيما لم تصب أي من الدبابات المصرية, قبل أن يتم تطوير الهجوم من قبل القوات المصرية, بالاشتباك مع العدو في قتال متلاحم, في صورة حرب عصابات, استمر حتي الساعات الأولي من صباح اليوم التالي, وأسفر عن تدمير60 دبابة إسرائيلية. يروي كثير من الضباط والجنود الذين شاركوا في تلك المعركة, كيف أصدر المقدم طنطاوي قرارا للجنود والضباط, بحبس النيران لأطول فترة ممكنة, قبل أن يتم فتح نيران جميع أسلحة الكتيبة ضد القوات الإسرائيلية المتقدمة, بإشارة ضوئية منه, في معركة استمرت لمدة ساعتين ونصف الساعة, ومع أول ضوء كانت الحقائق الواضحة علي الأرض, تكشف كيف منيت القوات الإسرائيلية بخسائر فادحة للغاية, بل إن هذه القوات لم تتمكن من هول الخسائر من سحب دباباتها وعرباتها المدرعة المدمرة, التي ظلت أعمدة الدخان تنبعث منها علي مدار يومين فيما يشبه الفضيحة. ربما لم يتعرض أي من أعضاء المجلس العسكري السابق لهجوم من قوي محسوبة علي الثورة, مثلما تعرض المشير طنطاوي, وقد بلغت حدة هذا الهجوم حد اتهامه من قبل صحفي كبير بتسليم البلد للإخوان, فما كان من الجنرال الكبير إلا أن قال العكس هو الصحيح.. لقد سلمنا الإخوان للشعب. تحية في ذكري أكتوبر إلي بطل المزرعة الصينية.