يبدو أن الرئيس التركى رجب طيب أردوغان قد كتب بخط يده السطر الأخير فى سيناريو التصعيد مع مصر، فبعد كلمته العدائية تجاه مصر أمام الأممالمتحدة وتدخله السافر فى الشأن الداخلى المصرى تصاعدت ردود الأفعال الشعبية ضد تصرفاته، وانتشرت دعوات المقاطعة الاقتصادية والسياسية. الاستنكار الواسع من المصريين للموقف التركى يعود إلى أن تركيا تثبت يوما بعد يوم تناقضا واضحا فى تصرفاتها تجاه الدولة المصرية، فقبل بدء أعمال الدورة ال 69 للأمم المتحدة طلب وزير الخارجية التركى لقاء نظيره المصرى فى بادرة اعتبرها البعض مؤشرا لهدوء مقبل فى علاقات الدولتين، إلا أن كلمة أردوغان كانت بمثابة الدليل لدى المصريين على أساس أن الاتراك هم المستفيد بشكل أكبر من العلاقات الاقتصادية مع مصر، حيث وقع البلدان أول اتفاقية للتجارة فى 1966، وفى عام 2005 قام البلدان بتوقيع اتفاقية جديدة للتجارة دخلت حيز التفيذ فى مطلع عام 2007 وكان لها أثر كبير فى تعميق العلاقات الاقتصادية، حيث تضاعف إجمالى التبادل التجارى بين البلدين خلال عامين من تطبيق الاتفاقية، كما فتحت الباب امام الاستثمارات التركية لدخول السوق المصرية، وعقب ثورة 25 يناير، تسارع نمو العلاقات ليصل حجم التبادل التجارى إلى 4.2 مليار دولار، تستحوذ الصادرات التركية لمصر منها على نحو 3.9 مليارات دولار، بينما لم تتجاوز الصادرات المصرية 300 مليون دولار بما يشكل 7.6% فقط من وارداتها من تركيا، كما بلغ متوسط عدد السائحين المصريين لتركيا قرابة 60 ألف سائح سنويا مقابل ما لا يزيد على 4 آلاف سائح تركى إلى مصر، وفيما يتعلق بالاستثمارات التركية فى مصر فإنها تقدر بنحو 1.5 مليار دولار من خلال نحو 300 شركة ومصنع وهى تعتمد فى منافستها بالأسواق الخارجية على رخص الأيدى العاملة المصرية وموقع مصر فى قلب إفريقيا. الأرقام السابقة أصبحت متداولة بين المصريين باعتبارها مبررا قويا لضرورة اتخاذ موقف شعبى بالمقاطعة الاقتصادية، وعلى أساس أن خسائر الدولة التركية ستفوق كثيرا أى خسائر يمكن أن تلحق بمصر، وكذلك على اعتبار أن الصمت الشعبى تجاه مواقف أردوغان يشجعه على التمادى فى مواقفه المعادية لمصر. وقد بدأت مجموعة من النشطاء على شبكات التواصل الاجتماعى دعوة شركات السياحة المصرية بحذف تركيا من برامجها السياحية، وكذلك إعداد قائمة بالمنتجات التركية المتداولة بالأسواق المصرية للامتناع عن شرائها، كما أن فريق رجال الأعمال الذى كان يتبنى سابقا عدم المساس بهذه العلاقة الاقتصادية على اعتبار أن ما تمر به العلاقات السياسية بين البلدين سيستغرق زمنا معينا لن يطول، هذا الفريق توارى فى الخلف حتى لا يتصادم مع توجه الشعب المصري، وارتفعت فى المقابل أصوات فريق آخر من رجال الأعمال يتبنون وجهة نظر تقوم على مراجعة العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين، كنوع من العقاب لأنقرة. هجوم الرئيس التركى يمكن اعتباره كلمة النهاية فى مسار العلاقات بين الدولتين، وإن ظلت التحركات الشعبية المصرية حتى الآن تدعو إلى ضرورة عدم الإساءة إلى الشعب التركى بأى شكل إلا أنه من المتوقع أن تشهد هذه التحركات تصاعدا واضحا ينذر بأن الأيام القليلة المقبلة سوف تشهد إجراءات تستهدف الرد على أردوغان وحكومة حزبه، فالمصريون أصبحوا على اقتناع تام بأن حلم أردوغان لم يكن مقصورا على مصر فقط، ولكنه كان يخطط للانطلاق بعد ذلك إلى بقية دول المنطقة العربية عوضا عن عدم نجاحه فى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، ومن ثم فلا يوجد أى أمل فى عودة الدفء إلى العلاقات بين الدولتين مادام أردوغان على سدة الحكم فى تركيا، ويبقى أن يدرك من يعتقد بضعف تأثير سلاح المقاطعة الاقتصادية أن يتذكر أن غاندى حارب سطوة الاحتلال الإنجليزى لبلاده بمغزل القطن فقط، اننا لا ندعو إلى قطيعة بلا عودة، فالعلاقات الدولية لا تعرف العداء الدائم أو الصداقة الأبدية ولكننا ندعو إلى إرسال اشارة قوية بأن مصر الآن لا تقبل وصاية إلا من شعبها، وأن الشعب المصرى قادر على اختيار طريقه وفقا لقناعاته، وليس تنفيذا لإرادة ورغبات غير المصريين.