اعجبتني كثيرا مقالة كتبها الصحفي المرمووق مرسي عطا الله خلاصتها ان من حق كل إنسان أن يحلم كما يشاء, وان يتمني ما يشتهي.. ولكن عندما يتغلف الحلم برغبة عارمة لتنفيذه فإن ذلك يقتضي معايير حسابية دقيقة تتفق مع القدرات الذاتية والامكانات المشروعة والمتاحة, وان أكثر الناس تعاسة هم الذين يخلطون بين الحلم وممكنات الواقع وامثال هؤلاء يعيشون في شقاء مقيم. وفي الأيام التي اعقبت اعلان نتائج المرحلة الأولي في الانتخابات انسحب الوفد وانسحبت المحظورة.. وشتان ما بين الانسحابين, فانسحاب مرشحي المحظورة تصحيح لوضع خاطئ.. لكن انسحاب مرشحي الوفد ارتداد عن وضع صحيح, ولكن هؤلاء وهؤلاء خفي عليهم ان الحزب الوطني قوي جدا ومليء بالرجال المهيمنين, كما عبرت عن ذلك وبتلقائية احدي مرشحاته في الكوتة, وبالتالي فكلاهما المحظورة والوفد اراد سن سنة جديدة تخرج عن نواميس الكون بل مضادة لها وهي مبدأ البقاء للاضعف فالوفد طرح في هذه الانتخابات عناصر ضعيفة لاتعبر عن عراقته ولاتعبر عن افكاره, ولاتنتمي لجماهيره, كما تقول قيادات الوطني, ومن ثم تعرض لهزيمة هزت اركانه هزا عنيفا ففقدوا توازنهم, اما الجماعة فقد ارتابت فيها جموع الناخبين ومن ثم تخلت عنها لانها مازالت محكومة ومنذ نشأتها بنفس الايديلوجية المتشددة الرافضة للديمقراطية كقيمة, ولكنها تقبلها اداة للوصول إلي اغراضها السياسية.. وفشلت في ذلك وكان فشلها مدويا. وحتي لايصدقوا انفسهم ومن ثم يبكون وهما وسرابا علي اللبن المسكوب, وان يقرءوا ما حدث قراءة صحيحة عليهم ان يدركوا ان الحزب الوطني كان يركز في حملته ودعاياته علي ارث كبير موجود بالفعل وعلي ارض الواقع, لكن اعلاناتهم ودعاياتهم وحتي برامجهم هم كانت لاتعمل في صالح ما يعلن عنه أو يتشدقون به, فالتغيير الذي ارادوه اقنعونا للاسف باننا سنجده صباح اليوم التالي لفوزهم في الانتخابات, وهم بذلك لايطلبون منا فقط ان نساعدهم في الفوز فيها بل ايضا يطلبون منا ان نقرش لهم كناخبين, سجادة المراسم الحمراء المؤدية لبوابة المجلس.. حتي قبل ان يبدأ التصويت. لقد ادعي المنسحبون ان هناك عنفا وبلطجة.. وتحداهم قادة الوطني وناخبوه ان يشيروا إلي واقعة بعينها موجهة إلي مرشح بشخصه أو إلي حزب بعينه, اللهم ما يصاحب الانتخابات عادة في مثل هذه الظروف من احداث عارضة لاتتعدي ما يحدث بين مشجعي فريقين يتنافسان في مباراة لكرة القدم وهي مناوشات عفوية لابد ان تحدث ولايمكن منعها لانها شيء لزوم الشيء.. وعموما فان البلطجة صناعة المرشحين الذين ليست لهم ارضية حقيقية في دوائرهم, ويحاولون فرض سطوتهم علي المنافسين, وارهابهم واجبارهم علي عدم التوجه لصناديق الاقتراع وهي مهمة لاتقوم بها الاحزاب المحترمة أو المؤسسات الشرعية. حاول المنسحبون اللعب بالنار فأكلتهم.. فقد استغلت الجماعة مثلا احداث العمرانية التي اعتذر عنها مقترفوها من خلال رفع شعار عاش الهلال مع الصليب لأول مرة في تاريخها ليس حبا في المصريين الاقباط فهم ابعد عن ذلك, وانما نكاية في الحزب الوطني وبذلك راهنوا مع اخرين إلي ان الاقباط يتجهون للتصويت في الانتخابات ضد الحزب الوطني راد علي ماحدث.. وخسروا الرهان لانهم قرأوا هذه الاحداث بشكل خطأ, لقد كان انسحاب المنسحبين كوميديا في غير وقتها, فالذي عاني من نزيف الاصوات في الانتخابات كان عليه كأي مريض ان يكون قلقا مهموما أو علي الأقل جادا, يدرس اسباب ما اصابه ويصححها قبل ان يأتي الملحق النجدة الذي بات علي الابواب.. وهي فرصة اخري أضاعوها. ولمنع تكرار ماحدث في اية انتخابات قادمة اعني الانسحاب اثناء الانتخابات وليس قبلها اقتراح ان تجتمع القوي السياسية المصرية في المستقبل القريب بزعامة الاقوي فيها وهو الحزب الوطني لوضع ضمانات للجدية في المشاركة السياسية, لايكون من بينها ابدا الانسحاب اثناء الادلاء بالاصوات.. فهذا عبث مخالف للقانون.. ويذكرني بمن يقفز من القطار وهو يسير علي قضبانة بأقصي سرعة.. ساعتها سيكون الموت محققا وهذا ما حدث وكان يجب علي المرحوم انتظار وقوف القطار لينزل.. وليته كان قد ألغي سفره من الاساس.