الفارق بين قرار حزب الوفد بالإنسحاب من جولة الإعادة في الانتخابات البرلمانية و نظيره حزب التجمع بالاستمرار في المنافسة الانتخابية هو الفارق بين حزب يحترم إرادة الناخبين ويمنحها الأولوية, وآخر يحترم أهداف الحزب ويمنحها الأولوية. لا يختلف أحد عن وقوع مخالفات وتجاوزات في الجولة الأولي, وهناك ما يعد و يعتبر ضمن مفاهيم التأثير علي إرادة الناخب في بعض الدوائر, ولكن لا يختلف أحد أيضا علي أن ما حصل أخيرا هو إمتداد لثقافة الانتخابات في مصر. فأجواء الانتخابات المصرية اعتادت علي سلوكيات و ممارسات عنيفة بين المرشحين وأنصارهم من ناحية, وعلي الانحيازات القبلية و العائلية وما يستتبعها من تدخلات تتصل بتغيير إرادة الناخب في صندوق الإقتراع من ناحية أخري. وضمان نزاهة الانتخابات يقتضي توافر عنصرين أساسيين أولهما إرادة الإدارة المسئولة عن الانتخابات بفرض القانون, وثانيهما ثقافة الناخبين ومدي إلتزامهم بتنفيذ القانون, والمؤكد أن الارادتين لم يتوافرا بصورة كاملة في الإنتخابات الأخيرة. إعتقادي أن الإلتزام الصارم بتنفيذ القانون وسط الأجواء السائدة كان سيؤدي إلي ما لا تحمد عقباه, وسيزيد من صعوبة الموقف وتداعياته كل الأصعدة, خصوصا أن العنف أصبح جزءا من حياتنا اليومية, فكيف نتصور وقد نجحت جماعة الإخوان غير الشرعية في فرض التوتر علي الأجواء الانتخابية, وجعلت منه أساسا للمنافسات بين جميع الأطراف. لكن هل يسهم كل ذلك في اتخاذ قرار بالانسحاب من جولة الإعادة؟ تقديري أن حزب الوفد خضع لاعتبارات وضغوط عديدة ليس من بينها إرادة الناخبين, وإن تصور قادة الحزب أنهم بذلك يحترمون إرادة الناخب فهم يرتكبون خطأ جسيما, كون هذا الاحترام يتطلب أيضا توفير الحماية له من خلال المشاركة. كيف سيتعامل حزب الوفد مع ناخبيه ومناصريه و أعضائه في المرحلة المقبلة ؟ وكيف سيتعامل مع قياداته التي قررت مواصلة المنافسة وخوض جولة الإعادة؟ وكيف يتصور قادة الوفد تصحيح الأوضاع الخاطئة السائدة؟ وهل يعتقدون أن الغياب كفيل بالتصحيح أم أن تحقيق ذلك يتطلب المشاركة وبإصرار لحث الناخبين علي المزيد من المشاركة؟ الوفد سيعاني من قراره علي مستويات مختلفة.. وربما تتجاوز هذه المعاناة النتائج التي تسبب فيها قرار المقاطعة عام1990 ومازال يعاني منها حتي الآن.