تبقي مؤسسة الأزهر الشريف هي الحصن والمنارة والملاذ لكل المسلمين في شتي بقاع الأرض علي اختلاف مشاربهم وتوجهاتهم.. والدرع الواقية إزاء مايموج به المجتمع الاسلامي من فتن وأزمات. كما تبقي عصية علي كل محاولات الاختراق من المتشددين والجماعات الارهابية التي بدأ تطفو علي السطح بقوة وتنتشر كالنار في الهيشم. الاهرام المسائي حاور الدكتور محمود عبده فرج مدير مركز تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها بالأزهر الشريف, ودخل معه إلي مناطق شائكة بهدف تشخيص الداء ووصف الدواء والمحصلة تحملها السطور التالية. وفي البداية أكد الدكتور محمود فرج أن مؤسسة الازهر علي مدار التاريخ وهو مستهدفة من الجماعات المتشددة للنيل منها ومحاولة تعزيم دورها ومؤخرا سعت هذه الجماعات بقوة لذلك, إلا أن فضيلة الإمام الاكبر الدكتور أحمد الطيب أفشل كل هذه المحاولات بحكمة ونفاذ بصيره. ولم ينف الدكتور محمود أن مناهج الأزهر هي أحد أسباب ضعفه وتراجع دوره, مطالبا بالسعي سريعا لتنقية المناهج التي تدرس بما يجعلها مواكبة للعصر وقادرة علي استيعاب القضايا المستجدة وجاذبة للدارسين كما كانت في الماضي. كما طالب بإصدار قانون لتجريم الفتوي لغير المتخصين حتي لايختلط الحابل بالنابل درءا للفتنة, وأشار بدور مركز اللغة العربية لغير الناطقين بها في تأهيل الطلاب الوافدين بالأزهر * وسألنا الدكتور محمود عبده فرج عن الاتهامات الموجهة للأزهر بأنه بات عاجزا عن القيام بدوره المنوط به؟ ** فأجاب مؤكدا أن الأزهر مازال رغم كل شيء هو المرجع في كل مايتعلق بأمور الدين نظرا لوسطية منهجه وسلامة فتاواه بشأن ماهو قائم أو مستجد من أمور, مذكرا بأنه صدر أيام الشيخ جاء الحق علي جاء الحق بيان للناس من جزأين يتعرض لجميع قضايا الافتاء في الأمور المعاصرة, كما توجد الآن لجنة فتوي بالأزهر متخصصة وتضم كبار الفقهاء من جميع المذاهب كما يوجد مجمع البحوث الاسلامية وهيئة كبار العلماء التي تضم قامات علمية مشهود لها بالعلم والاعتدال وسلامة المنهج.. كل هذا بجانب دار الإفتاء المصرية وهي هيئة أنشئت خصيصا من أجل الفتوي وسألناه.. عن كيفية إصدار الفتاوي الشرعية المستحدثة ومرجعيتها؟ فقال إن استنباط أي حكم شرعي لابد أن يستند للكتاب والسنة بوصفهما المصدرين الأساسيين اللذين يستند لهما الأزهر منذ قديم الأزل..لكن للأسف فالفتوي الآن أصبحت تصدر من غير ذوي المعرفة وأصبحت تثير الكثير من البلبلة والفتن بالمجتمع وماذا عن مناهج إعداد الداعية؟. ..بلا شك والكلام للدكتور محمود فرج, فإن مناهج إعداد الداعية تحتاج لإعادة نظر في مبناها وأهدافها ومحتوياتها والانشطة المرتبطة بها حتي تتفق مع روح العصر. لكن للأسف فهناك كثير من المناهج تفقد عنصر الحداثة وتنطوي علي قضايا قديمة.. فمثلا يدرس الطلاب زكاة الإبل والبقر والغنم مع أنها لاتتوافر في بلدنا في حين لايعرف الطالب شيئا عن زكاة المصانع والشركات والأحوال والاسهم والسندات * وما الفرق بين الضرائب والزكاة؟ ** وقال إن هناك بعض الكتب بالأزهر تشتمل علي مفاهيم ومفردات غائبة في الواقع المعيش كالصاع والفرسخ والميل والكيلة والويبة والمثقال والدرهم والدينار وغير ذلك من الأمور فالطالب عندما يقدر زكاة يقدرها بالموازين القديمة ولا يعرف كم تساوي بالأدوات المعاصرة بالاضافة إلي أن المناهج الحالية من حيث تنظيمها تشمل علي شروح ومتون وحواش وتقارير وهذه الأمور لا تناسب عقلية الطالب المعاصر الذي يدرس في الأزهر حاليا. * وما رأيك في طرق التدريس؟ ** طرق تدريس العلوم الشرعية تركز علي سلبية الفرد المتعلم كالمحاضرة والالقاء والأسلوب الخطابي في حين أن النبي صلي الله عليه وسلم عندما شرح مثل هذه العلوم استخدم طرقا أخري تعتمد علي مشاركة الفرد المتعلم مثل أسلوب الممارسة العملية حينما أراد شرح كيفية توضيح الصلاة قال لأصحابه صلوا كما رأيتموني أصلي وحينما علمهم الحج قال خذوا عني مناسككم كما كان يعتمد علي أسلوب الحوار والمناقشة وغيرها من هذه الأساليب التي تؤكد علي مفاهيم العملية التعليمية ومشاركة الفرد المتعلم فيها. * وما هي الأسباب الرئيسية وراء ضعف مستوي الدعاة من خريجي الأزهر؟ ** هذا يدخل تحت ضرورة تغيير طرق عرض العلوم الشرعية وكثير من الدعاة لا تحسن عرض بضاعتها علي الجمهور وأذكر أنني أنجزت دراسة في هذا المجال عام1999 بعنوان تقويم المهارات الأدائية للداعية وهي دراسة طبقت علي خطباء المساجد الحكومية بوزارة الأوقاف بالقاهر وأثبتت أن هناك ضعفا ملحوظا في المهارات الصوتية واللغويات والأسلوبية المرتبطة بإعداد الخطبة والقائها علي الرغم من أن القرآن الكريم رسم لنا أسلوب عرض المحتوي الشرعي علي الجمهور بقوله تعالي ادع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن كما كان صلي الله عليه وسلم يستخدم كثيرا من الأساليب التربوية المجدية في هذا الشأن ويستخدم أسلوب الغائب حينما يصوب خطأ لدي أحد المسلمين كان يقول ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا * كيف تقيم الأداء الدعوي في مصر؟ ** الدعوة تتطلب إعادة النظر في الخطاب الديني الذي يتبناه الداعية فخطاب اليوم ينبغي أن يختلف عن خطاب الأمس وأعتقد أن وزارة الأوقاف تدرك هذا الأمر وأقامت مؤتمرات حول الخطاب الديني المعاصر ولكن كثير من الخطباء لا يقرأون ولا يحضرون مثل هذه المؤتمرات لذا أطالب وزارة الأوقاف بأن تمدي مكتبة لكل داعية فيها من الكتب ما يلزم لأداء مهمته ويعود ضعف الطلاب المتقدمين لمسابقات الدعاة إلي إلغاء دور الكتاتيب لأن القرآن الكريم لا يحفظ الا في الكتاب وادعو شيخ الأزهر أن ينظر في أمر الكتاتيب ويقيمها بالشكل الجيد ويعيدها لدورها بعد تقويمها, الأمر الثاني كما قلت تطوير مناهج العلوم الشرعية والعربية وهو حقيقة ما قام به شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب في الآونة الأخيرة, حيث شكل لجنة لإصلاح التعليم الأزهري وقطعت شوطا كبيرا في إصلاح هذه المناهج ونرجو من لجانها أن تنشر ما وصلت إليه حتي نصلح المناهج بالشكل المطلوب والمناسب للعصر. * ما الأسباب الرئيسية وراء رغبة الجماعات المتطرفة في اختراق جامعة الأزهر؟ ** الأزهر الشريف جامعا وجامعة بماله من مكانه علمية ودينية عالمية في نفوس المسلمين وماله من تقدير لديهم جعل كثيرا من الجماعات الدينية سواء كانت متطرفة أوغير متطرفة تطمع وترغب في السيطرة علي الأزهر الشريف بأي أسلوب من الأساليب وأعتقد أن ما رأيناه خلال الأعوام الماضية من مظاهرات وأحداث عنف وشغب للمطالبة بإقالة شيخ الأزهر ورئيس الجامعة وبعض العمداء بالاضافة إلي تدمير وحرق منشآت الجامعة دليل قاطع علي نوايا وخبايا هذه الجماعات نحو الأزهر وشيوخه الأجلاء. * ما الدور الذي قام به شيخ الأزهر للتصدي لتلك الخطة؟ ** أعتقد أن القدر ساق شيخ الأزهر ليكون علي سدة الأزهر من أجل أن يدافع عن هذه المؤسسة العريقة وحقوقها والاسلام والمسلمين في الداخل والخارج فكان الرجل بحق خير مثال للأئمة حيث عارض موضوع الصكوك الذي طرح في عهد الاخوان كما قاوم سيطرة الأوقاف علي خطبة الجمعة بالجامع الأزهر وهذا كان من الأمور ذات الأهمية للنظام السابق إضافة إلي غير ذلك من الموضوعات التي وقف شيخ الأزهر لها بالمرصاد ولم يرض بتمريرها وأعتقد أن هذا دور ذو أهمية قصوي, فلقد أعاد الأزهر لسابق عهده فأصبح مسموع الكلمة لدي القادة السياسيين, كما قام شيخ الأزهر بوضع طريقة يحتذي بها وهي انتخاب المفتي الحالي من هيئة كبار العلماء وهو ما يطبق الآن في انتخاب رئيس جامعة الأزهر لمنع تعيين أي شخص ينتمي لأي جماعة ووضع شرطا بأن يكون المتقدم لأي منصب ليس له أي اتجاه. * ما هي الأسباب وراء قيام طلاب الأزهر بممارسات العنف في الجامعة؟ ** ترجع إلي وجود طلاب موكل اليهم تنفيذ مهام معينة وقياداتهم استغلتهم وقامت بتوجيههم لتحقيق أهداف لم نسمع عنها منذ أمد بعيد حيث لم نر مظاهرات من طلاب جامعة الأزهر بهذه الشراسة وثبت وجود مندسين. * لكن الدور الديني ليس حكرا علي الأزهر الشريف؟ ** أجاب منفعلا هو حكر علي المتخصص فعندما استشعر مرضا أو ألما فلمن نذهب أكيد للطبيب كذلك إذا أردنا أن نسأل عن أمر يرتبط بالدين نرجع إلي عالم الدين فالصحابة لم يكونوا فقهاء ولا محدثين وإذا استجدت عليهم مسألة كانوا يرجعون للرسول صلي الله ويسألونه لذا قال تعالي إن تنازعتم في شيء فردوه إلي الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا, هذا التوجيه للقرآن للرجوع إلي أولي الأمر في الدين عندما أوفد صلي الله عليه وسلم معاذ بن جبل لليمن ليكون قاضيا عليها قال له بما تحكم قال بكتاب الله قال له الرسول صلي الله عليه وسلم إذا لم تجد, قال بسنة رسول الله, قال له إذا لم تجد قال أجتهد ولا ألو. * بما تفسر الهجوم الشرس علي الأزهر الشريف؟ ** الهجوم هدفه خبيث وهو التشكيك في المرجعية الدينية التي ينبغي أن يؤول إليها الأمر في مثل هذه القضايا وأنه إذا ما شككنا في مرجعيتنا الدينية فلمن نرجع, هم يريدون الأمور فوضي لذا أطالب أولي الأمر بإصدار قانون لتجريم الفتوي لغير المتخصصين حتي تنضبط الأمور ويعود الأمر لأهله ويتم القضاء علي الفوضي في الفتاوي الدينية حتي لا يصبح كل من هب ودب ينصب نفسه مفتيا وقاضيا. * ما ردك عندما تصدر فتوي غريبة من أستاذ بجامعة الأزهر؟ ** هناك أفهام مختلفة للنصوص الدينية بعضها يستقيم مع العقل السليم والآخر أقوال وآراء شاذة لبعض العلماء فينبغي لمن يتصدي للفتوي أن ينقح هذه المفاهيم ويأخذ بما هو أميل إلي العقل السليم لكن مارأيناه من كثير من الناس عليهم لبعض الآراء المتشددة والشاذة فربما يكون هذا من باب خالف تعرف. وهذا لا يليق برجل الدين أن يركن إلي حب الظهور علي حساب كلمة الحق والدين. * كيف تقيم القوافل لدعوية التي يرسلها الأزهر من خلال الرابطة العالمية لخريجي الأزهر؟ ** هي من أجل نشر الفكر الوسطي بالأقاليم وأعتقد أنه مما يحسب للإمام الأكبر إحساسه بالفقر الشديد في القري للمعارف الدينية والأحكام الشرعية فكان لابد من ارسال القوافل الدعوية للقري والنجوع بجميع المحافظات لمواجهة الفكر المتشدد والمتطرف ونشر الفكر الوسطي الذي يسير عليه الأزهر الشريف والذي يجد الناس في تطبيقه راحة نفسية فالناس تقدر الأزهر وشيوخه الأجلاء وتعتبره خطوة جادة علي الطريق الصحيح في تصحيح المفاهيم المغلوطة وتثبيت الناس علي الفكر الوسطي وتحصينهم ضد أي أفكار أخري متطرفة تستهدفهم. * ما رأيك في محاولة الجماعات المتطرفة تجنيد واستمالة عدد من الطلاب الوافدين؟ ** للأزهر الشريف أهدافه العليا والتي منها كما ورد بالقانون103 سنة1961 نشر الثقافة الاسلامية واللغة العربية لجميع أبناء المسلمين في مختلف دول العالم الراغبين في الالتحاق بجامعة الأزهر الشريف, وانطلاقا من هذا الهدف النبيل يحرص الأزهر علي استقبال آلاف من الطلاب الوافدين يصل عددهم إلي152 ألف طالب بكليات الجامعة من50 جنسية مختلفة لأخد صحيح الدين الوسطي من الأزهر لذا نحرص في جامعة الأزهر علي إمداد هؤلاء الطلاب بالمعرفة الصحيحة بالدين الاسلامي وتزويدهم بالثقافة العربية الإسلامية التي تحصنهم ضد أي فكر متطرف ولإدراك الأزهر أن هؤلاء الطلاب مستهدفو بسبب فراغهم الديني والثقافي وحتي يكونوا جنودا لتلك الجماعات عند عودتهم إلي بلادهم ودعاة لأفكارهم المتطرفة بين أهلهم كما تم مركز تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها أشرقت عليه الرابطة العالمية لخريجي الأزهر لتأهيل الطلاب الوافد من قبل الالتحاق بجامعة الأزهر حرصا من شيخ الأزهر للطلاب الوافدين وتم تخريج أكثر من5 آلاف طالبة علي مدار أربع سنوات مدير مركز تعليم اللغة العربية بالأزهر