علي الطائرة وفي أثناء رحلة العودة إلي أرض الوطن بعد أداء مناسك الحج, تذكرت كلمات صادقة قالها هناك أحد الشباب المصريين, وكان يشكو دائما من تفاصيل الحياة اليومية التي تضغط بقسوة علي أهل القاهرة ولكنه فجأة تحول عن موقفه, وإذا به يقر ويعترف بأن مصر هي أم الدنيا, مهما تكن المشكلات والصعاب فيها. المفاجأة لم تكن في النتيجة لأنني أعرفها جيدا, وإنما كانت في أسباب هذا الاعتراف السريع من شاب لم يختبر الحياة في الكثير من الدول, واستطاع أن يدرك خصوصية لا نشعر بقيمتها إلا بعد الابتعاد عنها. قد لا تكون مصر هي أكثر البلدان تقدما أو ثراء, كما أن الحياة فيها تزداد مشقة مع زيادة العشوائيات والكثافة السكانية الهائلة, مما يؤثر علي العلاقات الاجتماعية والعادات والتقاليد الأصيلة التي تأثرت حتما بذلك الصخب والضوضاء والتلوث. كل هذا لم يغير من خصائص الحياة المصرية التي لا مثيل لها والتي تفيض بالمشاعر الحقيقية بعيدا عن التقدم التكنولوجي أو الرفاهية الزائدة علي الحد. وعندما حاولت أن أعرف الإجابة من صاحبها جاءت سهلة بلا فلسفة أو تعقيدات.. قال: أدركت أن بلادي تكسب قوتها من عرق عملها ولا تهبط عليها الأموال من السماء, ورغم ذلك تشق طريقها وتبني المصانع وتنير الصحراء ولا تتاجر بقضايا أمتها أو تحاول بسط الهيمنة والنفوذ عليها. وقال أيضا: إنني أنظر إلي المصريين, شعب تعرض لكل أنواع الحروب والضغوط للتخلي عن قراره الوطني ولكنه يرفض الانزلاق نحو السراب الخادع الذي أدخل الآخرين إلي الأنفاق المظلمة. وكانت سعادتي لا توصف, ليس أيضا بما سمعت, ولكن لأن تأتي هذه الكلمات علي لسان أحد أبناء الجيل الجديد, وهذا يعني أن المستقبل بألف خير, وأن مصر ستظل آمنة ومستقرة بعيدا عن الطامعين والمحرضين مهما فعلوا. muradezzelarab@hotmailcom