طوال شهر رمضان كان المسلم لا يكل من صنوف الطاعات التي لم يكن له قبل رمضان نصيب منها إلا ما رحم ربي, فنراه في صيامه يجاهد نفسه ويردع كل محاولة شيطانية تفسد عليه إيمانه, ويقمع كل خاطرة شهوانية تضعف أجره فيعيش حربا مع نفسه وهواها, وشيطانه يخرج منها منتصرا فيعيش عبدا ربانيا, غير أن هذه الطاقة الروحية التي اكتسبها من خلال صيامه وقيامه وزكاته وقراءة القرآن قد تتأثر بعد انتهاء رمضان, وتتبخر شيئا فشيئا, الأمر الذي يطرح تساؤلا حول كيفية المحافظة علي هذه المكتسبات واستغلالها بعد رمضان في الاستمرار علي فعل الطاعات كما كان في رمضان؟! في البداية يوضح الدكتور عبد الفتاح إدريس أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر أن الله الذي شرع الصيام في رمضان شرعه أيضا في غير رمضان, فقد حضنا رسول الله صلي الله عليه وسلم علي صيام أيام معينة من كل شهر هي الأيام البيض, كما حضنا أيضا علي صيام كل اثنين وخميس, وصوم تاسوعاء وعاشوراء, بالإضافة لحضه صلي الله عليه وسلم علي صوم كثير من أيام شهر شعبان وستة أيام من شهر شوال, والتسع الأوائل من شهر ذي الحجة, وغير ذلك من نوافل الصيام, فإذا كان الصائم قد تعود علي الصيام طيلة شهر رمضان فإنه لم يحرم من ملازمته لهذه الصوم في أيام السنة, وإذا كان صوام رمضان تعود قيام الليل فإنه شرع التهجد من الليل أيضا في غير رمضان فضلا عن الصدقة والزكاة والسلوك الطيب مع الخلق, والمعاملة الحسنة, والاجتهاد في العبادة, فهي لا تقتصر علي رمضان وإنما يستمر ذلك طوال أيام السنة بحسبان أن الذي يعبد في رمضان يعبد في غير رمضان, فالعبادات في رمضان يجب أن تستمر في سائر أيام السنة, بالإضافة للأخلاق التي تحلي بها الصائمون في رمضان من أخلاق إسلامية ومبادئ ينبغي أن ينتهجوها في حياته, وحسبنا من رمضان هذه الشحنة الدينية الروحانية التي اكتسبها الصائمون خلال هذا الشهر فإنه ينبغي أن تكون لهم زادا في بقية أيام السنة, فمن تعود علي ورد معين من قراءة القرآن ينبغي أن يستمر في غير رمضان, ومن التزم بعبادة معينة في رمضان فإنه ينبغي أن يستمر في غيره, ومن كان يحسن إلي الفقراء والمساكين والمحتاجين فإن هؤلاء الفقراء والمحتاجين موجودان في غير رمضان أيضا, ولهذا فإن عطيات المسلمين إليهم ينبغي ألا تتوقف, لأن الله جعل لهم حقا معلوما, في حال المتصدق, أو المزكي كما حضنا صلي الله عليه وسلم علي التصدق لهم لقوله صلي الله عليه وسلم اتقوا النار ولو بشق تمرة, فهذا التكافل الاجتماعي الذي شرع من أجله الصيام ينبغي علي المسلم أن ينتهجه أيضا في غير رمضان, لأن من كان فقيرا فهو كذلك في غيره ومن كان في حاجة إلي عون أو مساعدة فإنه يكون أحوج إلي ذلك بعد رمضان. ويقول الدكتور صابر عبد الدايم عميد كلية اللغة العربية السابق: لا شك أن شهر رمضان هو فرصة للمسلم العاقل للتزود من الجرعات الإيمانية, ولكي يراجع نفسه ويبدأ في شحن نفسه وشحن كل طاقاته بالزاد الإيماني ليلا ونهارا, فالمتأمل يجد أن الانسان يعبد ربه بالليل والنهار فالصوم نهارا وهو عبادة لها خصوصية لقوله في حديثه القدسي كل عمل ابن آدم إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به ويعبد ربه بالليل فلا يترك نفسه علي حريتها المطلقة, ولكن يقوم من الليل فهذا السلوك الإيماني والعبادة المتواصلة هما بمثابة تدريب علي مقاومة الرغبات والشيطان, ولذلك أري أن الانسان هو الذي يقيد شيطانه بسلوكه الإيماني وتمسكه بالصوم الحقيقي وإحياء الليل بالصلاة والذكر والدعاء, فلا شك أن الشيطان لا يجد منفذا له. وكل مؤمن يوفقه الله بالمحافظة علي الطاقة الروحية, تجده يشعر دائما بمراقبة الله طيلة العام, فإذا ما قل هذا الشحن جاء رمضان التالي ليعيد الشحن. ويضيف د. صابر أن الانسان يستطيع أن يحافظ علي مكتسباته في رمضان بالمحافظة علي الصلوات الخمس وأن يجعل لنفسه يوميا حزبا من القرآن الكريم, وإذا كان يصل رحمه ويتصدق فيستمر في ذلك لأن من ذاق حلاوة الإيمان, عرف الخير والعاقل لا يفرط فيما عرفه من الخير, بالإضافة لتحليه بسلوكيات عباد الرحمن من حسن معاملة, حتي يستطيع أن يحافظ علي الزاد الإيماني. كما أن الانسان العاقل الذي خرج من رمضان مرحوما مغفورا له معتوقا من النيران لا يمكن أن يفرط في ما اكتسبه بعدم المحافظة علي أعمال الخير والذكر والعبادة وحسن المعاملة مع الناس حتي لا يقع في دائرة الخسران.