لم تهدأ نفوس هذه العائلة ولم تنعم براحة البال أو عرفت عيونهم النوم اللهم إلا لحظات خاطفة.. استمر ذلك قرابة ستة وعشرين شهرا حتي الآن. كان ابنهم فتي مثل الملايين من الطلاب الذين لم تجد الأسرة يدا من الانصياع إلي جبروت الدروس الخصوصية وتكثيفها أيضا.. فالأيام تمر وامتحان الشهادة الإعدادية يتمز للجميع فهو أيضا لحظة فارقة لكل الأسرة إما أن يلتحق بالمرحلة الأعلي المرجوة أو ينحدر إلي مستوي آخر يعلمه الجميع وتهفو الأنفس دائما إلي الأفضل. عاد الفتي عقب درسه الخصوصي بصحبة صديقه وحدث شجار بين الأخير وأحد العمال.. وهنا.. لحظة من فضلك.. كتب القدر أمرا الله وحده هو الرحيم به.. تسارعت الأحداث في سرعة مذهلة في ثوان معدودة ظهر سلاح ناري في يد العامل.. شعر الصديق بالرعب.. حملته قدمه علي الفرار لمحه العامل صوب تجاهه سلاحه.. الغرض.. إصابته وتأديبه وفرض سطوته وارسال معني في عرض السماء يقول هآ أنا ذا. تحرك قلب الفتي.. هل نقول ليته ما تحرك!! بذات السرعة.. ماتت يده علي السلاح الناري لحماية صديقه من القتل.. ما حدث عقب ذلك مازالت تدفع ثمنه أسرة الفتي معه.. وصلة العذاب ممتدة.. مئات الاسماء من الأطباء.. أموالا طائلة لهجت الألسنة لهم بالدعاء, ومازالت الأنات مستمرة.. دارت عينها في المكان لم تكن تحتاج أن تتحدث ليعلم السامعون عذابها فوجهها كانت ملامحه تشي بما عاشته منذ شهر يوم من العام الماضي وحتي الآن, يصعب وصف أنات الأم والأب اللذان حضرا ل الأهرام المسائي بصحبة فلذة كبدهما يطرقان باب من شاع عنه وعرف بأنه تربي منبع الأخلاق والوفاء والإنسانية. حمدت الأم الله كثيرا قبل أن تسيطر علي انفعالاتها ويخرة صوتها مليئا بالشجون وأشارت الي نجلها الجالس مادا قدمه علي الأريكة بجوارها في تعب وقالت: نور الدين مجدي سلامة ابني.. عمره15 سنة وحوالي سبعة شهور كان في الشهادة الاعدادية العام الماضي و الحادثة تسببت في إعاقته عن الدراسة وأشارت الي قدم نور وهي تقول الإصابة منذ سنة وشهرين كانت في شهر مايو قبل الماضي وقبيل الامتحانات النهائية وبسبب كثرة اجراء العمليات الجراحية التي وصلت الي7 عمليات أعاقت تواصله مع المدرسة.. وخرجت منها تنهيدة حارة قائلة كان راجع من الدرس حيث نسكن في منطقة حلوان بعد العشاء, وكان يرافقه صديقه سليم محمد الذي تشاجر مع شخص اسمه أحمد عزت وفوجيء نجلي به يجري الي داخل منزله وعودته مسرعا وفي يده فرد خرطوش وبصحبته صديقه.. تلفت نجلي بجواره كان صديقه سليم قد بدأ يفر هربا.. وجد أحمد عزت ذو الثلاثين عاما غير ولدي أمامه الذي قال له بتخانق معايا ليه أما معملتش لك حاجة ولكنه وجه إليه فرد الخرطوش وحاول ابني منعه واثناء إمساكه السلاح الناري أطلق الآخر النار وكان أصبع يده الصغير يعترض الطلقة فطارت عقلتان منه ومزقت الأوعية الدموية في الجزء العلوي من الفخد الأيمن وسقط نور أرضا في بركة من دمائه.. يتكلم نور الدين والذي كان لونه شاحبا: حاولت إنقاذ صديقي من الموت ومنع انطلاق الطلقة في اتجاهه.. والآن الطلقة تهدد ساقي بالبتر تجمع الناس هاتم أحدهم أخوه باسم حضر مسرعا وطلب الاسعاف.. واتجهت السيارة الي مستشفي النصر التابعة للتأمين الصحي بحلوان. والذي حوله الي مستشفي قصر العيني.. وهناك قال الأطباء.. لابد من البتر. سكنت الأم تسترد أنفاسها وتدخل والد نور في الحديث وخرج صوته بطيئا حزنيا قائلا: بفضل الله تعامل أحد الأطباء بحرفية ونقلوا.. شريان من الفخذ السليم, وتم اجراء عملية( وصل شريان طبيعي) وكانت أول عملية في قصر العيني القديم.. لم يتم شهر وكان التغيير علي الجرح يتم باستمرار وفوجئنا بأن مكان العملية ينزف.. فاتجهنا بعد أن ولنا أهل الخير الي مستشفي النيل بدراوي.. فتم عمل عملية وصل شريان مرة أخري ولكن صناعي تكلفت نحو70 ألف جنيه.. وبعد15 يوما صدمنا بأن القدم إزرق لونها تماما وعلمنا أن الشريان قد شد وعرفنا ذلك من الدكتور أحمد ظهير وهو الذي أجري العملية في النيل بدراوي قبل ذلك, وعلمنا من زملائه بالمستشفي أنه لم يعطنا علاج سيولة مما تسبب في الانسداد.. وهنا طلب د.أحمد ظهير إجراء عملية أخري بحيث ينقل شريان طبيعي من الذراع المكان المصاب بالقدم. تتدخل الأم بصوت يملأه الأسي: عاتبناه.. لماذا لم تفعل أو تجري ذلك من قبل.. وكان كلامك أن إبني بعد العملية الأولي سيخرج بعدها يلعب كرة!!؟. ويرتفع شهيق الأم قائلة: قال الطبيب لنا.. لم أكن أعلم أن الشريان( سيسد)!!.. وهكذا طلب35 ألف جنيه لاجراء عملية جديدة وبالطبع لم يكن معنا أي نقود بعد المصاريف الأخيرة. وأشار علينا بعض أهل الخير بأن هناك طبيب في مستشفي أحمد ماهر من الممكن إجراء العملية عن طريق التسليك مقابل5 آلاف جنيه.. فاتجهنا الي هناك لأننا كنا نتعلق بأي أمل لعلاج نور. ونظرت الي الأرض وأكملت حديثها في مرارة: دخل ابني حجرة العمليات.. وبعد فترة انتظار.. فوجئنا بالدكتور يخرج ويقول ربطت الشريان, وقال: تقدر وتروحوا. وذهبنا الي البيت فوجئنا بأن قدمه تدخل مرحلة غرغرينا و قصبة قدمه مدمرة.. فنصحنا بعض الأقارب بالذهاب إلي إحدي مستشفيات التأمين الصحي, وذهبنا بالفعل الي مستشفي صيدناوي برمسيس.. وحجزه الطبيب5 أيام وكان ذلك قبل عيد الفطر الماضي وكتب في تقريره( بتر بعد العيد) مع علاجات أخري في الروشته.. وصرح لي أنه.. لا جدال في البتر.. واستعطفته كأم أن لا يقطع وأن يعتبر نور ابنه.. وبعد محايلات وتوسل ورجاء قام بتحويلنا الي مستشفي مدينة نصر وهناك عمل الاطباء كونسلتو عليه ونادوا علينا أنا وأبوه وقالوا لابد من البتر توسلنا إليهم بايجاد أي علاج طبي آخر وغادرنا المكان واستمر سؤالنا علي أي طبيب الي أن وصلنا الي الدكتور إدوارد وهو جراح يجري عمليات في الأوعية الدموية والدكتور أحمد فاروق ميرة استشاري أوعية دموية يتوقف كلام الأم ويزداد انفعالها وتأثرها الشديد.. ويكمل الأب ويضغط حروف كلماته وهو يقول: قاما باجراء عملية شريان صناعي.. وقالوا حضروا35 ألف جنيه.. واعملوا حسابكم في علاجات بعد العملية وقاما باستلام توقيعنا علي إقرار( نسبة1% وفاة و50% بتر بخلاف مصاريف العلاج والمستشفي فتحملها أيضا).. ووصلت التكاليف الي50 ألف جنيه وتمت العملية وعلمنا أنه ليس هناك من الأصل شريان يصل الي مكان الإصابة لأن أطباء مستشفي أحمد ماهر قاموا بوصل الشريان من البطن حتي الكعب وهذا سبب خطورة العملية. بعد اجراء العملية ب شهور فوجئنا بظهور خراريج فعدنا الي الدكتور إدوارد.. فقال: الجلد مشدود وأي خطبة في قدمه بتقلب خراج ويحتاج عملية أخري تتكلف10 آلاف جنيه وقال نصا: أخد عضلتين أضغط بهما الشريان علشان جسمه ما يرفضش الشريان.. وبعد فترة الجروح لم تغلق أبدا.. فذهبنا إليه مرة أخري فقال: نحتاج عملية ندفن الشريان لأن الجسم رافض الشريان وقال يوجد شريان ب73 ألف جنيه مثل الشريان الطبيعي وهذا ثمن الشريان وحده بخلاف العملية.. وبالطبع لا يتوفر هذا المبلغ معنا بعد عذابات وحوجة الأيام الماضية. وظهر بصيص الأمل بعد أن عرفنا أن مستشفيات القوات المسلحة الوحيدة التي تجري مثل هذه العمليات.. وبعد كل هذا المشوار الطويل. نناشد الأب الإنسان وزير الدفاع الفريق صبحي صدقي أن يقبل ابني ذو الخامسة عشر ربيعا في أي مستشفيات الوزارة إنقاذا له من البتر حيث أن ظروفنا الله وحده الأعلم بها. ونتمني أن يجري الله الخير علي يديه وهو ابن القوات المسلحة المصرية نبع الخير والعزة والكرامة والرحمة.