تناولنا في مقالنا السابق الفجوة الفارقة بين الشروط والمعايير التي تضمنتها القرارات المنظمة لعملية اختيار القيادات وتحديدا منصبي العميد ورئيس الجامعة, وقلنا إن ثمة تداخلا واضحا في التأكيد علي بعض الشروط العامة للتقدم وبين إغفال المعايير التي يجب توافرها في المتقدم علي أهميتها ومما زاد الأمر ضبابية أن ترك الأمر في عدد من الاختيارات الجوهرية في يد رئيس الجامعة دون حتي الإشارة لأية مشورة أو استطلاع للرأي, وكأن المشروع أراد أن يتخلص من عبء كان من الممكن أن يحدث لغطا لاسبيل للخلاص منه لو ترك الأمر علي المشاع بمجلس الجامعة, بعكس الحال في اختيار اللجنة الخاصة باختيار رئيس الجامعة التي حل فيها المجلس الأعلي للجامعات محل رئيس الجامعة حال الاختيار لمنصب العميد. ولو غضضنا الطرف حيال بعض التعميم في اختيار أعضاء تلك اللجان علي غرار التاريخ العلمي المعروف والمصلحة الشخصية أو ربط الحياد بالانتماء الحزبي!!, فإن صعوبة الاختيار ستكمن في الوفرة لدي الجامعات العريقة وفي الندرة لدي الجامعات الوليدة. حقيقة أن القرار لم يحدد طبيعة ذلك التاريخ العلمي المعروف لكون أهل الاختصاص معروفين في دوائر تخصصاتهم بينما المعروفون علي مستوي الجامعة في الأغلب الأعم هم الذين تولوا المناصب القيادية ومن ثم لن يكون مستغربا أن نجد خلطا لا فكاك منه بين التاريخ العلمي للبعض وعطائهم الإداري, حيث ليس بالضرورة أن كل عالم بقادر علي الانخراط الإداري وفي المقابل ليس أيضا بالضرورة أن يكون المتمكن إداريا من علماء مجاله المعروفين أما مسألة الحياد وما يتعلق به من انتماءات فالسؤال المطروح هل المقصود بها الانضواء الحزبي حاليا أم من ذي قبل؟. فلو كانت الأولي فإنه ليس لدي الجامعة أية آليات فيما أعلم لضبط هذا الأمر رسميا سوي ربما التقارير الأمنية, ولو كان الانتماء يقصد به الحزب الوطني فمن الأولي أن تسكت شهرزاد عن الكلام المباح!! أما مسألة المصلحة الشخصية فهو كلام من قبيل الطمأنة ليس إلا..!!. ومن المستغرب أن القرارات فيما أعلم لم تضع أي وسائل ومن ثم آليات واضحة لاعتراض أو ما يمكن أن يوازي مبدأ رد المحكمة الشهير, وأحسب أن له من الأهمية هنا الشيء الكثير إذ أن هناك أمورا قد تفقد اللجنة فيها حيادها ولكن من المستحيل تقديم الدليل المادي الدامغ عليها, ولعل ما يمكن أن نراه الأوقع في هذا الصدد هو تشكيل لجنة احتياطية وليس عضوا واحدا لتكون البديل حال الرد, لاسيما أن إعمال هذا المبدأ قد يرفع الحرج عن الطاعن والمطعون فيه بما يحفظ علي الجميع الاحترام المتبادل حتي في حالة الاختلاف. أما الطعن علي الاختيار بعد تقييم اللجنة فتلك قصة أخري ذلك أن إسقاط ميزة الترتيب من شأنها إثارة العديد من المشكلات فالأولي عدمها وإن باتت القضية في مجملها تحتاج إلي معايير واضحة لا لبس فيها ولا غموض, إذ كلما صار الأمر يسيرا ومحدددا قلت مطاعنة بيد أننا إذا ظللنا في ذات المبدأ الخاص بالطعون وحاولنا أن نجد صيغة تخص المتقدمين في هذا الشأن, لوجدنا أنه من الصعوبة بمكان توفر الاطلاع علي ملفات المنافسين لإثبات الطعن ماديا لاسيما إذا كان أحد المتقدمين من النافذين أو ذوي سلطة قائمة بالفعل من ثم تصبح بيانات الحالة الرسمية في حاجة حتمية إلي مراجعة فعلية من قبل اللجنة بغض النظر عن الطعن عليها من عدمه, وبما يحفظ علي الجميع حق الطعن بأسلوب يليق ومقام مؤسسة الجامعة التي ينتمون اليها, أما قضية تجميد عمل القيادة الموجودة حال الإعراب عن رغبتها في الترشح فقد باتت فضفاضة بسياقاتها إذ أن الإعراب عن الرغبة غير تفعيلها بالتقدم الفعلي, ومن ثم فالسؤال متي سيتم التجميد؟ هل فور تقدم تلك القيادة بأوراقها أم بنيتها المعلنة للكافة وجميعنا يعلم أن النية محلها القلب!!. وهذه القضية تحديدا قد عانت مساوئها الجامعات إبان التعيين بالانتخاب حيث كانت المواجهة بين القيادة القائمة والمرشحين الجدد مثل المشهد المعكوس في مباراة كرة القدم بين الفريق الأساسي والناشئين الذين يبدأون المباراة وفي جعبتهم عدة أهداف مسبقة!! لذا فينبغي أن يكون لمسألة الإعراب محل من الإعراب. والواقع فلو افترضنا حسن الظن حتي إن كان لايغني من الحق شيئا وقلنا إن الإجراءات قد خرجت محكمة بدءا من الشروط ومرورا بالمعايير وانتهاء بالنتائج وضماناتها, فإن السؤال الذي سيظل مطروحا وعسي ألا يكون طويلا..هل هذا الأمر الخاص بالقيادات يستحق من الأساس كل تلك الإجراءات والتعديلات وعلي مدار عدة عقود, رغم أن أيا منها لم يرتفع بالجامعة للمأمول لها ؟؟ سؤال يبدو محيرا لا سيما أن الإجابة عليه لاتقتضي سكوت شهرزاد عن الكلام المباح, بل يستلزم بالأحري وفق مانري سكوت الديك عن الصياح..!.. (إشراقات السعدي46): يقول المثل( اللي يعلق في رقبته حبل مايزعلش لما الناس تسحبه). المشكلة ليست في الحبال التي تلقي علينا لتقييدنا..ولكنها في أي حبل يختاره الإنسان بمحض إرادته؟! وممن ألقي ولماذا؟! والفارق كبير بالطبع أن تعيش مربوطا مرتبطا..