افترق الصديقان بعد منتصف الليل علي لقاء في الغد بإذن الله لقضاء أول أيام العيد بعد القيام بالواجبات الأسرية وبعد تأدية صلاة العيد وفي الصباح رفح فتحي السماعة ليتصل بصديقه يهنئه بالعيد وضرب جرس التليفون في منزل الأخير لمدة طويلة ثم رفع أحدهم في الطرف الآخر السماعة وهو يقول في صوت متهدج ألو فعرف الرجل فيه صوت زوجة صديقه فبادرها قائلا كل عام وأنتم بخير يا مدام أين سالم فردت المرأة وصوتها يمتزج ببكاء حزين البقية في حياتك يا فتحي, سالم مات فصاح الرجل مصدوما لقد كان معي حتي منتصف الليل وكان بصحة طيبة ومعنوياته مرتفعة وسعيدا بحلول أيام العيد الكريم بعد صيام شهر رمضان المبارك وقالت المرأة لقد دخل فراشه بمجرد أن عاد من الخارج وعندما حاولت إيقاظه ليؤدي صلاة الفجر ثم يذهب للمسجد ليؤدي صلاة العيد لم يرد ولم يتحرك فاستغثت بأولادي الذين أحضروا طبيبا هو جار لنا أخبرنا بعد الكشف عليه بوفاته لرحمة الله فصاح الرجل متأثرا سبحان الله إنا لله وإنا إليه راجعون وأخبر المرأة بأنه في طريقه اليهم ووضع السماعة وبدأت عبراته تنهمر من عينيه يبكي صديق عمره وصاحب فترة الطفولة والصب والشباب حتي كبرا معا وخرجا علي المعاش من عملهما معا وصارا في فترة الشيخوخة ولكنهما كانا يعيشان شيخوخة هادئة ويحسبان حساب كل خطوة وكل تصرف ويتجنبان كل ما قد يؤثر في صحتهما أو يكدر صفو حياتهما وتذكر كيف انهما قد أحبا فتاة واحدة ولكن صديقه سبقه وتزوجها دون أن يجد الآخر فرصة ليبوح لها بحبه أو رغبته في الإقتران بها ولم يحقد علي صاحبه بل فرح له وكان هذا شعورا غريبا فالتنافس علي فتاة ما قد يصل إلي صراعات ومشاكل لا حد لها بين المتنافسين ولكن في حالتهما كانت الرابطة التي تربط كلا منهما بالآخر أقوي من أن تفرقهما ولو علي حب إمرأة ولم يتزوج صاحبنا بعد زواج صديقه من محبوبته ولم يتوقف عن زيارتهما والاطمئنان عليهما وعلي أولادهما فيما بعد وكان صاحبه يقدر له حبه لأسرته وإعتبارهما كأنهم أهله الذين لا يمكن أن يجد عوا عنهم وتذكر الرجل كيف أن صديقه تنازل له عن طيب خاطر عن مركز قيادي في العمل وذلك بحب ودون ضغينة وذلك لمعرفته بمدي إرتباطه بعمله وكان يقول له إنني أشعر أنك قد تزوجت هذه الوظيفة فأنت تعطي لها الكثير والكثير وهذا سبب نجاحك فيها وتذكر جلساتهما معا وإشتراكهما في هوايات متشابهه وكان تفكيرهما واحدا وإتفاقهما كاملا في أي نقاش أو حسم لأي موضوع. واسترجع في ذهنه اللقاء الأخير وحاول أن يجد في حوارهما أي كلمات أو تلميحات تشير إلي إحساس صاحبه بدنو أجله فكما يقول الناس ان الشخص قبل وفاته يكون لديه احساس داخلي في اللاشعور بقرب رحيله فيقول كلمات يفهم بأنه سيغادر هذه الدنيا أو يدلي بتصريح عن شعوره بالزهد فيها ويبين للآخرين مثالبها ويشعرهم بأنه يرغب في الحياة الأبدية ويتمني ترك الدنيا الزائلة ومن هذا كثير ولكن صاحبه لم يتطرق إلي هذه الموضوعات طوال سهرتهما معا بل كانت كل حواراتهما حول الغد وما قد يأتي به من خير خاصة أن إبن صاحبنا الأكبر كان سيخطب إحدي الفتيات من معارفه في أحد أيام العيد وصار صاحبنا يسترجع ما كان بينه وبين صديقه وشعر بأنه لن يكون لحياته معني بعد تركه له وللدنيا كلها فكان هذا يزيده إكتابا وحزنا. واخيرا وصل إلي منزل الفقيد ورغم مظاهر الفرح بالعيد في أنحاء المدينة فإن صاحبنا لم يكن يري أو يركز علي أية تصرفات للاخرين وكان كل ما يشغله هو أن يصل لمنزل صاحبه ليقف مع زوجته وأبنائه في أزمتهم وأن يري صاحبه للمرة الأخيرة وهو في فراش الموت. وبعد أن قام بواجب العزاء لزوجة الفقيد وأبنائه وبعض من أقاربه الذين حضروا بمجرد سماعهم خبر وفاته استاذن الزوجة في رؤية الفقيد ففتحت له الحجرة وتركته لينفرد بصديقه وأخذ صاحبنا ينظر لوجه صديقه المسجي في الفراش وتنهمر دموعه دون أن يستطيع أن يقول كلمة واحدة تدل علي حزنه وألمه الدفين. وأخيرا استجمع شجاعته وأنحني علي صاحبه يقبله وهو يقول له كل سنة وأنت طيب. فهمي عبدالمنعم ثاقب بورسعيد