تعود جذور قبيلة المسيرية السودانية الي قبيلة جهينة العربية, وهي قبيلة بدوية تفخر بعروبتها, وترعي الأبقار, وتوجد بشكل رئيسي في الجزء الغربي من جنوب كردفان ومدن بابنوسة والمجلد والفولة ولقاوة, وحسب روايات التاريخ المتناقلة عن أبناء المسيرية فإن القبيلة جاءت الي السودان من تونس أي من الغرب مرورا بتشاد وغيرها من الدول, وذلك بحثا عن المرعي الجيد والمناطق الآمنة, والدليل علي أن المسيرية أتت من الغرب أن جزءا كبيرا منها يوجد حتي الآن في دولة تشاد المجاورة, وقد أثرت القبيلة وتأثرت بالقبائل الموجودة في المنطقة, رغم اعتزازها الشديد بعروبتها وافتخارها بذلك, ولاتزال القبيلة تحتفظ حتي الآن بالكثير من العادات العربية الأصيلة مثل ركوب الخيل وغيرها, وهي كذلك دائمة الترحال. ويتوقف إحلال السلام في السودان الآن الي حد كبير علي قبيلة المسيرية التي تسكن مع قبيلة دينكا انقوك في منطقة أبيي الغنية بالبترول المتنازع عليها بين الشمال والجنوب, والتي سيصوت أبناؤها في استفتاء متزامن مع استفتاء تقرير المصير في جنوب السودان, لتحديد تبعيتهم للشمال أو الجنوب, ويهدد أبناء المسيرية الآن بالعودة الي الحرب إن لم يحصلوا علي حقهم في التصويت علي مصير المنطقة, وهو الأمر الذي يراه الجنوبيون مقصورا عليهم وحدهم, وكانت الأوضاع قد اشتعلت أكثر من مرة في المنطقة, وتم رفع قضية تحديد حدودها الي محكمة التحكيم الدولية, ويتم الآن التباحث بين شريكي الحكم لحسم القضايا المختلف عليها في قضية أبيي, باعتبارها نموذجا مصغرا لمشكلات السودان وحلها يعد أمرا مفتاحيا للسلام في السودان كله. وتنقسم قبيلة المسيرية الي قبيلتين أساسيتين هما: المسيرية الحمر والمسيرية الزرق, ثم تقسم كل قبيلة منهما الي قبائل أصغر, ثم تقسم كل قبيلة أو عشيرة الي عدة خشوم أو بيوت, والتي تقسم بدورها الي أسر. وتجاور القبيلة من ناحية الشمال قبيلة حمر ومن ناحية الغرب قبيلة الرزيقات ومن الشرق جبال النوبة وقبيلة كنانة والحوازمة ومن الشمال الشرقي قبيلة الداجو, أما من ناحية الجنوب فتجاورها قبيلة الدينكا في شمال بحر الغزال وجنوب كردفان, ولقبيلة المسيرية نظام تعايش مع كل هذه القبائل المجاورة لها والمتداخلة معها سواء في المرعي أو الزراعة, وهذا النظام يراقب بواسطة زعماء القبائل المذكورة, وغالبا ما يؤدي الي حلول مرضية لكل الأطراف, وهناك وجود لقبيلة المسيرية أيضا في منطقة شرق جنوب كردفان وفي جنوب دارفور. نظام الإدارة وفقا لبحث أعده المركز السوداني للثقافة والاعلام يبدأ نظام الإدارة عند المسيرية بالشيخ الذي يختار بواسطة أهله بعد مناقشة مستفيضة ومقنعة لدي كل أفراد القبيلة, وأحيانا تكون هناك مفاوضات بين شخصين أو أكثر متنافسين علي المشيخة, وأحيانا تكون المشيخة عن طريق الوراثة من جد الي جد, ومهمة الشيخ هي جمع الضرائب عن البهائم وتوريدها الي المركز أو المجلس الريفي, وايضا حل بعض المشاكل الصغيرة التي تواجه القبيلة أو القرية, وذلك بمساعدة الحكماء والزعماء الموجودين في تلك المنطقة. وبذات الطرق السابقة المناقشة أو المفاضلة أو الوراثة يتم اختيار العمد أيضا, ومهمة العمدة هي الفصل في القضايا والمشاكل التي تكون أعلي من سلطة الشيخ, والعمدة له بعض الخفراء الذين يساعدونه في عمله, أما بالنسبة للقضايا الكبيرة فترفع للنظار كالدية مثلا والمشاجرات الكبيرة والمستعصية, ليقوم بدوره بالنظر في هذه القضايا مستهديا بعادات وتقاليد المنطقة في التحكيم بين المتخاصمين, وقبل حكم الرئيس الأسبق جعفر نميري كان الناظر يتمتع بسلطات كبيرة في حل مشكلات القبيلة ويحترم حكمه بدرجة كبيرة جدا, ثم حل نميري الإدارة الأهلية فأحدث ذلك خللا إداريا كبيرا جدا. العادات والتقاليد تحتفظ قبيلة المسيرية بكثير من السمات العربية رغم اختلاطها ببقية القبائل الموجودة في منطقتها, وتتمثل هذه العادات والتقاليد في حب الترحال, والقبائل التي ترعي البقر والإبل عموما تحب الترحال, وخاصة القبائل ذات الجذور العربية, وتكون رحلة المسيرية مع أبقارها من الشمال أي شمال كردفان الي الجنوب أي جنوب كردفان, وغالبا ما تبدأ الرحلة في أواخر شهر يونيو بإتجاه الشمال, لتفادي أنواع الذباب الكثيرة التي تضر بالبهائم سواء كانت أبقارا أو أغناما, ودائما مايصلون الي مكان للاستقرار النسبي بعد شهر يوليو أو في أواخره, وهذه الفترة وحتي أواخر شهر سبتمبر تعتبر من أفضل الفترات حيث تشبع البهائم وتسمن, وفي هذه الأثناء يقوم زعماء قبائل المسيرية بحل المشكلات البسيطة التي تحدث مع القبائل الأخري بسبب دخول بهائمهم الي مزارع القبائل الأخري, ويكون ذلك بتكوين لجنة لتقييم الخسارة التي أحدثتها البهائم في الزرع, وفي هذه الفترة تعمر أسواق المناطق التي ترتادها القبيلة, أما العودة فتبدأ في أواخر شهر سبتمبر وبداية شهر أكتوبر, والأشخاص الذين يقومون بدور كبير في عملية الترحال هم الأدلاء جمع دليل, والذين غالبا ماتوكل إليهم مهمة البحث عن المرعي الجيد, ويساعدهم في ذلك شبان القبيلة الأقوياء ذوو الهمة والنشاط. ثيران مدربة ويستخدم المسيرية في ترحالهم الثيران المدربة منذ الصغر, والتي يتم تدريبها بركوب الأطفال عليها ثم الأثقل فالاثقل الي أن يركبها الكبار, ثم تحمل بعد ذلك قليلا من المتاع يزيد تدريجيا, وتقسم الثيران الي أقسام, فمنها مايحمل المتاع الأساسي للبيت وتركب فيه المرأة, وهناك الثور الخاص بالفتاة غير المتزوجة والتي تكون في سن الزواج, وهناك الثيران التي يتم فيها خض اللبن, أما الرجال فيركبون ثيرانا أخري ويستخدمون الحربة الكبيرة لمساعدتهم في ركوبها, أما الثور النقارة فيستخدم لتحميس الأبقار اثناء السير أو لتنبيه السائرين وكذلك في حالة الحرب أو للرقص أثناء الافراح, وهناك طرق عديدة لتزيين كل نوع من هذه الثيران, وكذلك وضع الحشيات بطريقة تحمي الثيران من الأضرار. وللمرأة في قبيلة المسيرية دور فعال في المجتمع, لكن حقها مهضوم وفقا لما ذهب اليه بحث أجراه المركز السوداني للثقافة والإعلام كغيرها من نساء المجتمع السوداني, فهي تشارك الرجل في الإشراف علي البهائم, وكذلك تساعد الرجل في عمل الزريبة, وأيضا في سقي البهائم وحفر الآبار, بل والبحث عما يضيع من البهائم وغيرها من الأعمال, وأيضا عليها تربية الأبناء وكل أعمال المنزل من بناء وغيره بحكم طبيعة الترحال المستديمة. أما بالنسبة للأكلات المعتادة عند المسيرية فمعظمها من مشتقات اللبن أو يدخل فيها اللبن كعنصر أساسي, خاصة في فترة الخريف, والأكلات هي المديدة وهي عبارة عن عصيدة مصنوعة من اللبن وملاحها لبن وأحيانا سمن, وكذلك تصنع أم كوسة بإضافة الدقيق والسمن الي اللبن المغلي, وهناك البوسيك وهي عبارة عن عصيدة الماء فيها قليل وكمية الدقيق كبيرة وتؤكل باللبن, وعادة مايستخدمها رعاة البقر كزوادة في المرعي أو كإفطار في الصباح. إستخدام الأوسمة للبهائم تستخدم الأوسمة للتمييز بين قطعان المواشي والتعرف عليها إن اختلطت بغيرها أو في حال فقدانها, وهي تختلف من قبيلة لأخري, وحتي بين فروع وبطون القبيلة الواحدة, وتوضع هذه الأوسمة بشكل ظاهر للعيان, وتعرف كل قبيلة من وسمها, والهدف منها تقليل المشكلات الموجودة بين القبائل. والمسيرية يحبون البقر ويفتخرون به, ويفضلون ألوانا معينة كالأحمر والأصفر الفاقع والملونة بالأسود والأحمر والأبيض, أو الملونة ببقع بيضاء صغيرة في البطن, أما الأغنياء فيحبون أن يكون لديهم ثيران ذات لون مميز. الختان دائما ما يكون الاحتفال في حالة الختان للأطفال الذكور أكبر, وربما يذبح فيه ثور, ويتم في الاحتفال رقصات النقارة والمردوم والقدرة أمام شباب وشابات القبيلة, أما الخفاض للأنثي فتحتفل به النساء, ويكون الرقص أقل, وربما يذبح فيه خروف, وبالنسبة للولد فيخرج بعد الختان بأربعين يوما, ولكنه قبل ذلك يتحرك مع أصحابه. الرقصات عند المسيرية قبائل المسيرية لها رقصات متنوعة ومنها النقارة التي ترقص فيها البنات بشكل دائري خاصة في الليل, وذلك مع وجود الشباب, وأيضا في شكل صفوف, وأي شاب يختار الفتاة التي يرغب في الرقص معها, ولرقصة النقارة زي معين, حيث ترتدي الفتيات الحلي التي يسمونها التلاتيل والسكسك, وتربط الفتيات العمائم في وسطهن لتساعدهن في إجادة الرقص, أما الشباب فيلبسون الجلاليب القصيرة التي تتم حياكتها خصيصا للرقص وتسمي عراريق, وربما تكون فيها بعض الزركشة لكي تزيد من جمالها, ويضعون في رؤوسهم الريش والطاقية الحمراء, وأيضا التلاتيل والسكسك, ويحملون في أيديهم فئو الفئوس الصغيرة, وأيضا تلبس السكين في الذراع الشمالية, وتكون السكين مزركشة بواسطة قماش رقيق منسوج بطريقة معينة. أما الفريق الذي يعزف لرقصة النقارة فيكون أكثر من أربعة غالبا, وكلهم يعزفون في وقت واحد لكي يعطوا إيقاعا معينا, وأحيانا يتخلل الرقص الذي يسمي باللهجة السودانية الرقيص شعر يسمي بالهدي, وهناك رقصات المردوم والمجلي وهي رقصات يرقصها الشباب, وهناك رقصة القدرة التي يرقصها العجائز تعبيرا عن فرحتهم بالمناسبة سواء للأبناء أو الأحفاد, ويختلف الرقص عند المسيرية الحمر والزرق, وأيضا توجد الحكامات وهن شاعرات القبيلة, ومفردها الحكامة وهي من تقول الشعر الحماسي وأيضا الهجاء أو الشكر, ولهن وضع خاص في القبيلة, ويقابلها في الرجال الهداي, وهو يقول الشعر بواسطة أم كيكي, وهي آلة شبيهة بالكمنجة, وأحيانا يقول الشعر بدونها, وهناك أيضا شعراء الربابة التي تسمي عند المسيرية أم بري بري, وشعرها دائما عن الفتيات, وأحيانا في السهرات يقال شعر بواسطة النساء. الزواج يكون الزواج غالبا بين أبناء العمومة, حيث يتفق والد العريس ووالد العروس الأقرباء ويتم عقد القران, وقد كان العروسان في السابق لا يعرفان إلا عند اقتراب المناسبة, وربما يكون أحدهما رافضا, واحيانا كان يؤخذ برأي الشاب أما الفتاة فلم يكن يؤخذ رأيها, ولكن في الفترة الأخيرة تغيرت هذه الأوضاع نتيجة التعليم, وأصبح يؤخذ برأي الفتاة في حالة الزواج, كما بدأت تظهر حالات زواج خارج الأقارب, ربما من المسيرية أو القبائل المتداخلة معهم. وتكون مراسم الزواج بعقد القران في الصباح قبل منتصف النهار بالنسبة للفتيات غير المتزوجات من قبل, وقبل ذلك يتم الإتفاق بين والدي العروسين, ثم مع أقرباء العروس من أبناء عمومتها وأبناء أخوالها لأنهم أصحاب الأولوية في الزواج منها, وإذا رفض أي واحد منهم الأمر لا يمكن أن يتم عقد القران, كما تتم مشورة أم البنت وخالاتها وربما عماتها, ثم يتفق علي وقت عقد القران, ويكون فيه قليل من المأكولات كالحلوي, وربما يذبح خروف, وتنطلق الزغاريد إبتهاجا بالمناسبة, ويتفق علي المهر الذي يسمونه عدل البيت, الذي يشتري منه العدة أي جهاز العروس من أدوات الطعام والسرير والوسائد وغيرها, وكان التجهيز للعروس يستغرق في الغالب أكثر من سنة, ويصنع لها بجهد جماعي من نساء الأسرة سريرا من الجلد الجيد. وعند اكتمال التجهيز يتفق علي وقت الزواج, وذلك بين والد العريس وأم العروس وبعلم والد العروسة, ثم تحمل الشيلة التي هي الهدايا التي يقدمها العريس للعروس من بيته الي بيت العروس تحملها فتيات متزينات من قريباته يغنين تعبيرا عن الفرح, وبعدها يبدأ تجهيز بيت الزوجية, وهو غالبا ما يكون أكبر من البيوت العادية, وفتحة الباب تكون باتجاه الشرق وذلك تيمنا بالقبلة, ويبني البيت بواسطة مجموعة مهرة من الفتيان والفتيات يغنين أثناء إقامة البيت وتأثيثه وفرشه بأبسطة ملونة. وفي ليلة العرس يبدأ الاحتفال عند وصول أهل العريس لبيت العروسة, وذلك بالرقص والغناء, وتتباري مجموعات الشباب فيما بينهم, ويستمر السهر حتي الصباح حيث يتم شرب الشاي المهم جدا عندهم, ويتم تناول العصيدة, ثم يحمل العريس وهو جالس علي العنقريب وهو سرير مربوط بالحبال علي أكتاف أصدقائه وأبناء عمومته ويتجه به ناحية الشرق تيمنا بالقبلة, ثما يعاودون الرقص حتي الظهر, ثم يركب العريس علي حصان وسط غناء الفتيات والشبان, وعندما يقترب الجميع من بيت العرس تكون أم العريس في استقبالهم تحمل البخور وإناء فيه ماء وقطعة سعف لإستخدامها لرش المحتفلين, ويستمر الجميع في الغناء أثناء ذلك حتي يصلوا الي العروسة وسط الزغاريد, وبعدها يستمر الرقص والغناء حتي الساعة العاشرة مساء تقريبا, وبعدها يمكث العريس داخل بيت العرس حوالي أسبوع, ثم يخرج منه, وربما يرحل وعروسه الي بيت أهله, ولم تكن الحنة تستخدم في السابق في العرس والختان لدي المسيرية, ثم انتقلت إليهم بفعل التداخل مع القبائل الشمالية.