استبعاد المرشحين من المشاركة في الانتخابات العراقية القادمة هو نكسة كبيرة لعملية المصالحة الوطنية التي كانت قد بدأت تعرف طريقها بالكاد لهذا البلد المنكوب. أتحدث عن المرشحين من أبناء الطائفة السنية الذين تم استبعادهم من المشاركة في الانتخابات بقرارات من لجنة المساءلة والعدالة المعنية بملاحقة البعثيين وتطهير مؤسسات الدولة العراقية منهم. أظن أن العراق حاز نصيبا كافيا من الملاحقة والتطهير, وأن الوقت قد حان للتأكيد علي المصالحة والاندماج الوطني. نظام صدام حسين الذي حكم العراق لسنوات باسم حزب البعث ارتكب جرائم حقيقية في حق العراق وأبنائه خاصة من الشيعة والأكراد. قيادات بعثية كثيرة جرت محاكمتها وإعدام بعضها, وآلاف غيرهم تم إخراجهم من وظائفهم, وفي هذا ما يكفي ويزيد, فمواصلة ملاحقة البعثيين تحولت إما إلي استهداف لأبناء الطائفة السنية, أو إلي أداة لتحقيق مكاسب سياسية. في العراق سياسيون مستعدون للتلاعب بالمشاعر والشعارات طالما كان في هذا مصلحة سياسية لهم. هذا النوع هو المسئول عن الانتكاسة الراهنة للمصالحة الوطنية في العراق. الفترة القريبة الماضية شهدت تراجعا في نفوذ الأحزاب الطائفية في مقابل تزايد تأييد القوي الوطنية. الانتخابات المحلية الأخيرة في العراق كانت شاهدا علي هذا. في تلك الانتخابات فاز ائتلاف دولة القانون بقيادة رئيس الوزراء المالكي بأغلبية كبيرة تحت شعارات وضمن تحالفات غير طائفية. ابتهج العراقيون والعالم لهذا التطور واعتبروه بداية لخروج العراق من أزمته. أخطر ما في الانتكاسة الراهنة للمصالحة الوطنية هو أن السيد المالكي وحزبه نكصوا علي أعقابهم إلي مواقع طائفية ذميمة. لعب السيد المالكي بورقة الوطنية والمصالحة عندما كانت رابحة, وعاد للتخلي عنها عندما تبين له أن هناك من ينافسه عليها بمصداقية عالية. الكتلة العراقية التي يقودها الدكتور إياد علاوي باتت تمثل فرس الرهان في المنافسة علي الراية الوطنية الجامعة حتي باتت مرشحة للفوز بالانتخابات البرلمانية المقبلة. عندما وجد نوري المالكي الورقة الوطنية وقد أصبحت موضع منافسة قرر العودة للإمساك بالورقة الطائفية, وراح حزبه يحرض ضد البعث, الذي أصبح اسما كوديا للسنة من أهل العراق. أدرك المالكي أن أصوات السنة ستذهب للكتلة العراقية فعاد لتقديم الولاء للشيعة عبر إثبات تشدده في مواجهة خصومهم التاريخيين. قد يفوز المالكي بأصوات بعض الشيعة, لكن العراق كله سيخسر هويته الوطنية وتماسكه.