سباق مع الزمن هذا ما تقوم به الحكومة التركية من جهود لوقف نزيف الارواح والموارد في الحرب التي تقودها البلاد ضد الانفصاليين أنصار منظمة حزب العمال الكردستاني المحظورة, واتخاذ الأخيرة قرارها بمهلة جديدة لوقف إطلاق النار لمدة شهر واحد, لم يأت هذه المرة من تلقاء نفسها, وإنما جاء علي أرضية الاتصالات التي تجريها بالفعل حكومة العدالة والتنمية مع رموزها حتي وأن كانت بشكل غير مباشر, لكن هذه المهلة الجديدة أثارت حفيظة القائمين علي الحل والعقد في العاصمة أنقرة, فقد كانوا يأملون في سنة علي الاقل لعل وعسي يستطيعون فيها وضع أسس للخروج من تلك الأزمة المزمنة وليس إنهاؤها فهذا أمر حتما سيطول, ولم يكن هذا فقط ما أثار قلق الحكومة, فثمة أمور أخري في مقدمتها حزمة الاصلاحات التي يريدها الأكراد أو بمعني أدق زعماؤهم, فبجانب أن بعضها مثل الحكم الذاتي صعب أن لم يكن مستحيلا القبول به, هناك جزء آخر لابد له من تمهيد لدي الرأي العام وليس تطبيقه بشكل آن كالتعليم باللغة الكردية فهذا من شأنه إثارة مشاعر غاضبة من قبل قطاعات عريضة من المجتمع التركي التي باتت تنظر نظرة ريبة وشك للخطوات التي يزمع رجب طيب اردوغان اتخاذها خاصة أن هؤلاء مازالوا يرون في دعاة الإنفصال ارهابيين أياديهم مخضبة بدماء الشهداء من الجنود والعسكريين الاتراك. لكن يبدو أن حزب العدالة والتنمية الحاكم قد عقد العزم بالبدء فيما سبق واعلنه قبل شهور وتمثل في خطة الانفتاح الديمقراطي, وهو تعبير مرادف للانفتاح علي القضية الكردية, وذلك بالنهوض بمدن جنوب شرق الاناضول في كل المجالات بلا استثناء, وفي نفس الوقت تفويت الفرصة أمام القيام بأي أعمال أرهابية, من هنا جاءت الاتصالات مع الادارة المحلية باربيل بشمال العراق بزعامة مسعود البرزاني التي باتت تؤتي ثمارها فطبقا لما طرحته الادبيات السيارة خلال الأيام القليلة الماضية وافق مسعود البرزاني علي فتح ممر يبلغ طوله30 كم داخل اراضي شمال العراق حتي سفوح جبال قنديل أمام القوات العسكرية التركية بحال رفض قيادي منظمة حزب العمال الكردستاني الحلول والمقترحات المطروحة من قبل حكومة رجب طيب أردوغان للتوصل لحل المشكلة, وتأكيدا علي ذلك وفي تطور لافت رفض البرازني مطالب حزب السلام والديمقراطية الذي يعتبر الغطاء السياسي للمنظمة الانفصالية التخلي عن وعوده للمسئولين الاتراك الرامية إلي تضييق الخناق علي النشاطات المسلحة والتي تتخذ من الشمال مسرحا لها. في السياق ذاته اجري وزير الدفاع العراقي قبل يومين مباحثات مهمة مع نظيره التركي وجدي جونول بصدد مواجهة الإرهاب ضمن نطاق اللجنة الامنية الثلاثية وليس فقط من خلال القيام بعمليات عسكرية عبر الحدود. وهكذا يمكن القول ان ما قام به البرزاني وأكده المسئول العراقي لم يأتيا من فراغ فهناك دعم امريكي لتركيا في إقامة شريط امني علي حدودها لوضع حد للهجمات الارهابية علي النقاط الحدودية وهو ما تم إقراره خلال زيارة قائد القوات الامريكية في العراق الجنرال لويد اوستن, المراقبون من جانبهم أكدوا أن الادارة الامريكية وبعد سلسلة المباحثات التي اجراها رئيس جهاز المخابرات التركية' هاكان فيدان' في واشنطن, أبدت موافقتها المبدئية علي تأسيس قاعدة عسكرية تركية مؤقتة داخل الاراضي العراقية ضمن اطار الدفاع عن النفس. يأتي هذا ترجمة للتعاون الامريكي التركي في مجال مكافحة الأرهاب ذي الأبعاد الثلاثة وهي: تأمين المعلومات الاستخباراتية لرئاسة الاركان التركية بصدد تحركات المنظمة الانفصالية وتقديم امريكا الدعم للطلبات والمقترحات التركية المطلوية من مسعود البرزاني وحثه للعمل عليها وأخيرا المساهمة بتطوير الحوار الامني بين تركيا والحكومة المركزية في العراق. سعي الولاياتالمتحدة ودعمها, وموافقة البرزاني والعراق من جانب ثان مشروطان, بيد أنهما يأتيان في سياق تشجيع الحكومة التركية علي اتخاذ وتبني سياسات حقيقية وواقعية نحو تلبية عدد من المطالب المشروعة للاقلية الكردية. وهو ما تريده الحكومة لكن المسألة ليست سهلة خصوصا في ظل وجود نعرات تريد بقاء الحال علي ما هي عليها, علي أي حال ثمة آمال معقودة في الوصول إلي ضوء في نهاية النفق.