بعد وفاة المخرج الفرنسي إيريك روميير هذا العام, جاءت وفاة المخرج الفرنسي كلود شابرول لتعلن سقوط ورقة مهمة من أوراق كراسات السينما. كراسات السينما هي مجلة السينما الفرنسية الشهيرة التي عمل بها الكثير من النقاد السينمائيين الفرنسيين أمثال إيريك رومير وجاك ريفيت وجان لوك جودار وفرنسوا ترافو وكلود شابرول الذي غادر عالمنا في12 سبتمبر. ولد كلود شابرول في باريس عام1930, بدأ حياته السينمائية في عمر12 سنة كعامل عرض لسينما محلية داخل جراج في احدي ضواحي باريس. ولكنه درس الأدب ووجد نفسه بلا عمل في العاصمة الفرنسية فعمل في بيع الكتب القديمة, وتفتق ذهنه عن تزييف توقيعات الكتاب الكبار علي نسخ من كتابهم( أرنست همنجواي, وليم فوكنر) والادعاء بأنها نسخ أصلية تم التوقيع عليها من قبل المؤلفين الأصليين. تردد شابرول علي نادي السينما في الحي اللاتيني الذي كان يشرف عليه الناقد والمخرج إيريك روميير وهناك تعرف علي جاك رييفيت وجودار وتروفو, ليلتحق معهم بكراسات السينما في عام1953. دافع شابرول عن مفهوم سينما المؤلف الذي لم يكن معروفا بشكل جيد في هذه الفترة, حتي أنه أعتبر فيلم( الغناء تحت المطر) من بطولة الراقص و المطرب جيم كيلي ومن اخراج ستانلي دونان واحدا من أفلام سينما المؤلف حتي يبين أنه حتي في ظل إنتاج استوديوهات هوليود من الممكن أن يعكس المخرج وجهة نظره هو. كما دافع بقوة عن ألفريد هيتشكوك في ضد التيار الذي كان يعتبره مجرد مخرج متمكن من أدواته السينمائية.. يتلاعب بها ليتلاعب بالجمهور, معتبرا إياه أحد كبار نجوم سينما المؤلف من خلال كتاب عنه اشترك فيه مع إيريك روميير. يتزوج شابرول من ابنة أحد الأغنياء مما يسمح له بإنشاء شركة إنتاج سينمائي ليقدم أول أعمال الشركة من خلال فيلم قصير أخرجه زميله في كراسات السينما جاك ريفيت وكتب له السيناريو زميل آخر.. فرنسوا تريفوا. يقدم شابرول فيلمه الأول عام1959( سيرج الجميل) ليبدأ مع بداية الموجة الجديدة ليحقق فيلمه نجاحا تجاريا يساعده علي الاستمرار. يقدم بعد ذلك( أبناء العم) ليظهر باريس منقسمة ما بين شخصيات مغتربة وشخصيات تعاني من البؤس, ويقدم فيلم( النساء1960) ليثير ضجة بين أوساط النساء من الطبقة المتوسطة, حيث أعتبر الفيلم نقدا لاذعا للنساء من مجتمع رجولي. من بعد تحقيق نجاح تجاري يذكر ينطلق شابرول خلال الستينيات لتقديم أعمال سينمائية بوليسية وعن قضايا الجاسوسية مليئة بخفة الدم و الكوميديا تحقق نجاحا جماهيريا ولكن تثير كثيرا من الانتقادات من قبل النقد السينمائي المتخصص. يعود في بداية السبعنيات لتيار سينما الموجة الجديدة مع التحليل الاجتماعي لطبقة المدن المتوسطة في أفلام مثل( المرأة الخائنة),( ليموت الوحش)( الجزار) في عامي1969 و1970, مكونا فريق عمل من الممثلين هم رمز للسينما الفرنسية في تلك الفترة( جان يان, ميشيل بوكيه) وبالطبع زوجته الجديدة ستيفان أودران والتي ستظهر في معظم أفلامه بعد ذلك. يستمر في تلك النوعية من السينما التي تشرح البرجوازية الصغيرة مع أفلام مثل( دكتور بويول1972) و(فيوليت نوزيير1978) وهو الفيلم الذي تم من خلاله تقديم نجمة السينما الفرنسية إيزابيل هوبير. يعود من جديد للسينما البوليسية في عام1982 مع رواية( أشباح بائع القبعات) للكاتب البوليسي الفرنسي الشهير سمينون وهو الذي يعد أجاثا كريستي فرنسا, ليوضح من خلاله قدرا كبيرا من العنف يمكن أن يظهر في قرية فرنسية هادئة ويثار الكثير من الجدل حول مضمون الفيلم. في التسعينيات قدم العديد من الافلام التي ترصد التحول في شخصيات المجتمع الفرنسي تحت سيادة عالم الاستهلاك ونهاية حلم المدينة الفاضلة والأيديولوجية مع أفلام مثل( جهنم1994)( الأحتفالية1995). قدم شابرول العديد من الأفلام تعدت الخمسين فيلما منها ما هو ذو قيمة فنية عالية ومنها ما هو بسيط, وبالرغم من اعترافه بأن الكثير من أعماله كانت بغرض تدوير عجلة العمل في شركته من أجل دفع الضرائب التي حاصرت شركته في فترة من الفترات, ألا أن جميع أفلامه كانت تلقي نظرة نقدية علي سلوكيات أفراد المجتمع في فترات زمنية مختلفة ليكون كما قال هو عن نفسه( كأنني قسيس احدي القري الذي يعرف كل أخطاء وذنوب سكان المجتمع الذي يعيش فيه عبر اعترافهم لي في قداس الأحد, ولكني أقوم بنقل خطاياهم للعرض علي الجميع عبر السينما دون التشهير بهم). أعتقد شابرول دائما أن الإنسان يحوي بداخله وحشا كاسرا, وأنه مهما كانت درجة الثقافة والوعي فأن الوحش الكاسر داخلنا ينتظر دائما الفرصة ليعلن عن وجوده. رحل شابرول احدي علامات سينما الموجة الجديدة بعد أن ألف وأخرج ولحن للسينما كواحد من نماذج سينما ولت كان المبدع فيها هو حجر الأساس الذي يبني عليه العمل. [email protected]