استقر بهم المطاف فلابد أن تترك فوق النار حتي يتم نضجها ومن سعير النار أخذت تفور غليانا وغيظا ولسان حالها يقول أغيثوني أني أوشكت علي الفناء فالجميع من حولها واقف ينتظر نضجها ومن تأثير شظاياها المتطايرة تكبلت أيديهم من خلاف فاللسعات تأخذها أخذا للوراء ومن وقت لآخر تمتد ملعقة خشبية لتقليبها. والآن اقترب النضج والجميع واقفون مكبلون بالصمت كبلتهم القضية المطهية صارخة: انطق أيها الصمت وإلا انفجرت وأشعلت الجميع. فكان عليهم البحث عن وسيلة لغلق سطحها الباعث جمرات تهلك من حوله.. وكلما وضعوا الغطاء طار في وجوههم فيموت هذا ويصاب هذا.. الخ والآن عجزوا عن وقف النيران وكذلك عجزوا عن تغطيتها وما أمامهم سوي المواجهة وعندما بدأت المواجهة لم يتمكنوا من رؤية بعضهم البعض فالبخار حال بينهم وبين ذلك. هكذا سردت الأم تلك المأساة شعرت أنها تقصد القضية الفلسطينية لصفحة القناة فثمة صلة أبدية بينهما كان ذلك بالأمس القريب واليوم جلست كعادتها علي شاطئها تكمل حديث الأمس: إن أبنائي تحت مائك: دماهم تجري معه ولن تجفا لقد كان وجه القمر أمس مرتجف يهتز به الموج. لقد أرهق عيني فلم أكمل معه الحديث وأراه اليوم غير عابئ بتلك الأمواج المتلاحقة, لقد أصبح به من الثبات مايؤهله للجلوس أمامي ولأحكي له أحاديثي وأحاسيسي في حب مصر: وإذا بالأم فيروز تنحني نحو وجه القمر تعانقه بعينها وبصوتها العاشق قائلة: ياغراما سرمديا لأنها دمعاتي حين البكاء وآهاتي في الخطوب وارتعادي في الشتاء ومأواي في المساء إذا تدحرجت دمعاتي وجدتها ولذا خرجت آهتي سمعتها وإذا ازمهرت دنيتي رأيتها وإذا جن الدجي ضمتني وأطبقت علي صفحاتها, سكنتني قبل أن أسكن بها وظننت يوما أنني لست لها وأحبطتني كلمات لوم ونقد ماتوقعتها وعزمت علي الإقلاع عن غرامها ولكني مااستطعت لأنها دمعاتي حين البكاء وآهاتي في الخطوب.. إذا تدحرجت دمعاتي وجدتها. وأحبطتني كلمات لوم نقد ماتوقعتها.... لأنها دمعاتي حين البكاء وآهاتي في الخطوب. واستمرت إلي مالانهاية. وتخطفتني أحاديثها السابقة وتذكرتها علي خلفية تلك القصة الأبدية العنيفة في أحداثها و الهادئة في أسلوبها. وأشرقت بداخلي شموس أكتوبر ومنحتني وقع رافعات الأثقال التي أزالت عن صدري الكثير: 1 الراعي الرسمي ......بل هو أسوأ نماذج القطاع العام. أما تلاحظي ترهل الروتين في ثنايا مشيته؟ وما يعانيه العنف في هدوئه؟ وتسكعه في كل ركن وكل يوم, لقد قالها لك بعد انتهاء جدواها ومغزاها ولعله آت إليك في يوم لاتتوقعينه وربما لاتتمنيه. اتركيه إذن ولا تنتظريه أنه هيكل خاو تسكنه العتمة مطلي بأجود وأنقي ماركات الهموم والسموم...... عندما سمعتها تقول ذلك ظننت أنها تقصدني أنا وترمي بمدلول كلامها علي وهم كنت في انتظاره ولكن ربما أقحمت ذلك التفسير وقمت بإسقاطه بشكل تعسفي فيما يخصني وربما قصدت الأم فيروز الضمير العالمي الذي يتأخر دوما في إنصاف المظلوم وربما لاهذا ولا ذاك. 2 إبداع ..... فلم تعبأ بتهافت كل تلك الحشود المهولة المتجهة في ذاك الاتجاه. ولم تستطع غريزتها المطبوعة علي المحاكاة إجبارها وإقناعها علي الانسياق الأعمي لتنال ماناله غيرها وتفوز بما فاز به غيرها, فهي ساعية راضية في سبيل المجهول تسوقها روحها الطيبة وقدماها المتمردة. ولم تفكر مطلقا في مقابل فهي لاتطلب إلا تلبية دعوة هذا الداعي, الذي هتف بداخلها ولم تتمكن أي إغراءات من ثنيها عن المسير. وإذا بها تتميز وتتفوق وتختلف وتصير من المؤثرين, فأذناها قد صمت عن كل شئ وشفتاها ماعرفت الإشادة به والتحدث بلسانه. كانت جسمه تجسده بكل حذافيره, بنظرات عينها بشطحات فكرها بومضات الإلهام بمفارقات الإبداع بإشارات يديها بخطوات قدميها تنام بأمره وتستيقظ بأمره ضحكتها الإبداع كلامها الإبداع والإبداع ضميرها وهي له كل الضمائر. وأدركت حقيقة مهمتها وقدرتها وأدركت أن لا لغة مشتركة بينها وبين أي شئ إلا بوسائل لايحددها إلا هو... وصل إلي ظني أنها كانت تصف حضارة مصر ولغزها الذي حير العالم وما استحق أي عصر اللحاق بها والوصول إلي سرها. 3 شمس الحرية السفر هو الحل الوحيد فالرحيل لبعيد هو الضمان لبتر جذور هذا الداء التي تتجدد حيويتها ويزداد اخضرارها من حين إلي حين. وحتي يحين لها الوقت لتحيا بلا داء تكون قد قضت زمن تجمله ويجملها وتضيف إليه ويضيف إليها. فهي هكذا دائما تؤثر أكثر مما تتأثر بما لديها من مقومات تضمن لها البقاء في الصف الأول. فلم تقصد أبدا أن ترفع هذا وتنصب هذا أخذت من أن تأثيرها ولدي استقرارها في هذا الموقع الجديد غيرت وبدلت ووضعت بصماتها المعلنة عن وجودها ولم تشعر مطلقا بأنها هي ذاتها داء لمن حصدوا أشواك سيرها فما قصدت شيئا مما جناه المكتوون بنارها. وتألمت أكثر من تلك النظرات المحملة برسائل الخوف من بطشها الذي صنعه وهم هؤلاء الجبناء. وكلما خطت خطوة كان حصادها بألف خطوة وإنجازها انجاز شهور وسنين من الزمن العقيم. كثر الملتفون حولها وزاد قاصدوها وراجوها وأصبحت شمسا تمشي علي الأرض, كلما اقترب منها أحد صار ذرات تطاير هنا وهناك, فلماذا لايتعاملون معها بحذر؟ توحد مصيرهم بمصير الذبابات المتجهة إلي ضوء اللهب, ظنا منها بالتمتع بدفء أكثر وطمعا في ضوء أكثر, وما وصل إلي اعتقادهم أنهم سيجدون الهلاك حليفهم..... وهنا ذهبت الأم إلي ضرورة توفر الحكمة لدي التعامل مع قضية الحرية هكذا ظننت. 4 بغداد أنت تعلم وأنا أعلم أنك وقت اقترابك منها كنت تسعي لتصحيح شئ من الخطأ وعليك الآن تصحيح باقي هذا الخطأ بالابتعاد التام عنها... لاتعليق مازالت تدوي في مسامعي خلفية الغرام السرمدي. لقد عبرت بذاكرتي علي جزر من أحاديث تلك الأم الحكيمة. وربما حالفني التوفيق في الوصول إلي مقاصدها الحقيقية وإن لم يكن فثقتي بمن يقرؤها جد متينة ولدي من اليقين بأنه قادر علي العثور علي جوهرها. منال ذكي سليمان الأخرس المنوفية