ما كنت أحب أن يتورط الانبا بيشوي في هذا الحديث الذي اقام الدنيا حول المسلمين الذين حلوا كضيوف علي اهل البد الاصليين وهم المسيحيون, ولقد جانبه الصواب في هذا الحديث السياسي, وهو يؤكد ما نذهب اليه دائما من فصل الدين عن السياسة وإبعاد رجال الدين عن العمل السياسي والحديث بالسياسة لسببين الاول ان رجال الدين قد وهبوا عمرهم لشئون العقيدة والعبادة والايمان والطقوس, اشبعنا الدكتور العوا اجتهادا منذ سنوات, عندما راح يكتب في صحيفة الاسبوع سلسلة مقالات بعنوان' المواطنة نحو فقه جديد' اما الطريق الثاني الذي كان عليه ان يسلكه هو ان يتقدم وفي هدوء بما لديه من معلومات حول هذا السلاح المزعوم الي النيابة او اجهزة الامن التي لا تدخر وسعا في تعقب وضبط السلاح غير المشروع وتحددت مهمتهم النبيلة في هداية الحائرين وتعميق الايمان بالاضافة الي الاشراف علي اسرار الكنيسة السبعة في المسيحية, ولذلك لم يتعاط رجال الدين السياسة الا عن بعد او من خلال رعيتهم ومن هنا فإلمامهم بالشأن السياسي سيظل محدودا, ولا شك ان الحديث عن المواطنة كما يتناوله الاقباط وكما نعرف من خلال كتاباتهم يقوم علي اساس ان المواطنة حق من حقوق الجنسية ومن ثم فلا علاقة لها بالدين سواء كان هذا الدين اقدم ام احدث وسواء كانوا اصحابه اقلية او اغلبية, وهي في نفس الوقت حق فردي تمنح لحاملها حتي ولو حصل عليها بالامس, هذا من ناحية ومن ناحية ثانية فان السياسة هي في اخر الامر قضية حسابات للمكسب والخسارة,وتوازنات وحلول وسط وربما تنازلات في حالات كثيرة وهو ما نربأ برجال الدين المسيحي او الاسلامي ان يتورطوا فيه واذا كان نيافة الانبا قد تورط بحسن نية في وضع الكلام في غير موضعه ولا غير مناسبته, فاننا لم نكن نتخيل ان التطرف يصل بالاستاذ الدكتور المفكر القانوني الي الحد الذي يسعي فيه لاشعال النار في الوطن والناس بدم بارد كما كان يفعل شباب الجامعات الاسلامية, منذ عقود, عندما كان منطقهم يؤكد كل ماهو ضد المواطنة وضد الانسانية, ولقد اشبعنا الدكتور العوا اجتهادا منذ سنوات, عندما راح يكتب في صحيفة الاسبوع سلسلة مقالات بعنوان' المواطنة نحو فقه جديد' راح فيها يبشر بإدخال المواطنة في صميم الفقه الاسلامي عندما يتحدث عن الظروف الزمنية المتغيرة التي ادت مع مطلع العصر الحديث الي الغاء الجزية في عهد الوالي سعيد باشا ابن محمد علي1854 1863 وعمل اول دستور لمصر في عهد الخديو اسماعيل1863 1879 ثم دستور ثورة19 وهو دستور1923, وهذا كله قد ادي في خاتمة المطاف الي التسوية القانونية بين المسلمين والاقباط وجميع عناصر الامة المصرية ثم الي تجنيد الاقباط في الجيش وقيامهم في نفس الوقت بجميع الاعباء والمسئوليات العامة في الدولة مثلهم مثل المسلمين وهو ما يعني من الناحية الفقهية مساواتهم في جميع الحقوق والواجبات بالمسلمين وهذا كله يستلزم شرعا وفقها ابطال عهد الذمة الذي انقضي زمنه وفات اوانه, وهكذا راح العوا يؤسس لمفهوم جديد في الفقه سماه فقه المتغيرات, وهو مفهوم يسلكه في زمرة المفاهيم الفقهية التي برع في تأسيسها كفقه الضرورات وفقه الاولويات وفقه الاستضعاف وغيرها من اجتهادات فقهية تبدو رصينة وعميقة, والرجل الي ذلك يسعي لتقديم نفسه الي الناس باعتباره داعيا من دعاة الاعتدال والاستنارة والتسامح الفكري والتفاهم بين الملل والنحل والطوائف, اذ ان المنصب الذي يشغله كرئيس للاتحاد العالمي للعلماء المسلمين يقتضي بالضرورة ان يبدو الانسان معتدلا متسامحا فلا شك ان علماء العالم الاسلامي في رابطة كتلك منهم السني المعتدل والسني الحنبلي والشيعي الامامي والاثناعشري والاسماعيلي والاباضي والزيدي, ولا يمكن ان يجمع هذا الخليط المتنوع علي اختيار احد العلماء كرئيس الا اذا كان متسامحا معتدلا0 ومع هذا فان الدكتور العوا وخاصة في الشأن الداخلي المصري سرعان ما يعود الي المربع المتطرف رقم واحد فما ان اندلعت فتنة الرسوم الدانماركية المسيئة للرسول( صلي الله عليه وسلم) فاذا به يهدد فريقا من المسيحيين المصريين بانهم اذا لم يستنكروا تلك الرسوم استنكارا يقبله هو فعليهم الرحيل من البلد باعتبارهم ضيوفا لدي اغلبية سكانه من المسلمين0 ان حديث الرجل وهو القانوني الحصيف الذي من المفترض ان يضع الكلمات بل الاحرف في مكانها الصحيح, حديث جد خطير لا يقل عن القاء الزيت فوق النار المشتعلة اصلا, فاعصاب الناس تحترق, والتنابز والخصام اصبح لغة سائدة للخطاب بين ابناء الوطن, والرموز الدينية تسب وتشتم علنا ومن علي المنابر, اذن فلم تكن' المشرحة ناقصة قتلي' علي رأي المثل ليأتي الدكتور العوا ويعلن علي الملا وامام الملايين وفي قناة تحظي باكبر نسبة مشاهدة في مصر, ان الرهبان يخزنون الاسلحة في اديرتهم, وانا اظن ان ابسط مقتضيات الوطنية كانت تقتضي من الدكتور العوا احد امرين فقط, الاول: ان يعلن ما تأكد له وفي حدود الحقائق الموثقة باحكام قضائية باتة, باعتبار ان الحكم عنوان الحقيقة, وحتي هذه كان من الممكن تجاهلها وفقا لقواعد فقه الضرورات الذي بناه العوا نفسه, اما الطريق الثاني الذي كان عليه ان يسلكه هو ان يتقدم وفي هدوء بما لديه من معلومات حول هذا السلاح المزعوم الي النيابة او اجهزة الامن التي لا تدخر وسعا في تعقب وضبط السلاح غير المشروع, اما هذا الحديث غير الوطني وغير المسئول فانا لم اكن اتصور ان يصدر عن الرجل وطبعا بعد أن تسممت الافكار وتعكرت المياه واستعدت ثمار الشر لتؤتي اكلها, راح الرجل يعتذر في صحيفة يقرأها عدة الاف بعدما اذاع ما اذاعه في قناة يشاهدها عشرات الملايين, وليس سواء من يؤذني في شارع ويصالحني في حارة, كما قال الطيبون البسطاء من اجدادنا