هل تتذكرون باعة الأرصفة السياسية الذين تحدثنا عنهم مرارا وتكرارا وقلنا ان بضاعتهم المضروبة قد رفضها المواطن الذي يجد فيها بحسه الوطني رائحة مشابهة لما حدث ويحدث في مجتمعات اخري دخلت إلي انفاق مظلمة لم تخرج منها حتي الآن اضافة إلي ان الممول الرئيسي لهذه البضاعة قد اكتشف هشاشة وجودهم في الشارع المصري وانهم اي هؤلاء الباعة لا يختلفون عن تجارة الأرصفة التي قد يلجأ اليها المستهلك مضطرا وهو يدرك مخالفتها لكل المواصفات والمقاييس الصحيحة. الأيام القليلة الماضية حملت انباء سيئة لباعة الارصفة واسقطت رهاناتهم الخاسرة حول حاضر ومستقبل مصر. وإذا كان المواطن يجد في مسار تلك الانباء او الأحداث امرا طبيعيا فإن هؤلاء الباعة يجدون فيها انتكاسة كبري واجهاضا لكل مخططاتهم في تغييب الوعي المصري ومن ثم إعادة ترتيب الاوضاع وفقا لخيالاتهم المريضة واحلام اليقظة التي تسيطر عليهم. وقد كنا نكرر ولانزال ان علينا ان نعطي لباعة الارصفة السياسية ما يستحقونه من يقظة بالنظر إلي قدراتهم العالية في عمليات الكر والفر تماما مثل تجارة الأرصفة التي نعرفها في شوارعنا اضافة إلي اجادتهم لادوار تمثيلية تهيئها وجوههم اللامعة وعيونهم البريئة والتي تطل علينا من ثنايا الصفحات وشاشات الفضائيات. ولكن الدرس الأول الذي وجدوا انفسهم امامه وقد جاء بحروف واضحة لا تقبل التأويل يتعلق بالمزاعم والاكاذيب التي طالما رددوها حول الدور المصري ازاء القضايا المهمة والمصيرية في المنطقة وفي مقدمتها القضية الفلسطينية. ومع انطلاق المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والاسرائيليين في اجتماع البيت الأبيض والذي كان حضور ومشاركة الرئيس مبارك مسألة اساسية وضرورية ولا غني عنها حتي يتم باعتبار أن مصر هي الراعية الأولي لعملية السلام, تاريخيا وواقعيا, وهو ما ظهر جليا في الجولة الثانية بشرم الشيخ وبحضور وزيرة الخارجية الامريكية التي تلقت نصائح الرئيس مبارك بشأن الخطوات الواجب اتخاذها للمضي قدما في اقامة السلام العادل المنشود. خيم الصمت علي ابواق التشكيك, ولم تصدر اشارات اعتذار ومراجعة لقائمة طويلة من الحملات والتساؤلات التي كادت تقنع البعض بأن مركز صناعة القرار قد انتقل من القاهرة إلي بعض البلدان الصغيرة التي لا تكاد تري بالعين المجردة علي الخريطة. وأكدت الكلمات الرسمية للرئيس الامريكي ومعه بقية الزعماء أهمية ومحورية الدور الذي تقوم به مصر ليس فقط لمعالجة تلك القضايا المصيرية والحيوية وانما لابقاء منطقة الشرق الأوسط في حالة من التوازن العقلاني التي ترفض الشطط والتطرف والقيام بردود الافعال الانفعالية. وفي نهاية الدرس الأول كانت المحصلة انه وقت الانجاز التاريخي, يكون الدور للكبار فقط, ولا مكان للسماسرة والوسطاء, ايا كانوا.. والدرس الثاني كان علي الساحة الداخلية حينما انتبهت الاحزاب الشرعية إلي ما يخطط لها تحت دعاوي وشعارات مزيفة تتخذ من الحرية والديمقراطية ستارا لنواياها الشريرة للاجهاز علي الاحزاب في الشارع المصري, وحاولت قوي الفوضي والاثارة في البداية الوقيعة بين حزب الاغلبية وبقية الاحزاب بهدف زرع الخلافات والتسلل منها وعندما فشلت بدأت ذات القوي في مهاجمة احزاب المعارضة واصفة اياها بأشد واقسي العبارات وبانها ورقية ولا وجود لها وتعيش علي الصفقات وغيرها من صفات لم تؤثر علي ادراك الاحزاب الشرعية بان الهدف النهائي من ذلك الهجوم هو الاجهاز علي التجربةالوطنية في الممارسة السياسية واخلاء الساحة للجماعة المحظورة ومعها بعض القوي التي تريد قطعة من كعكة الوطن عندما يقام الاحتفال بانهياره. وجاء قرار الوفد بالمشاركة في انتخابات مجلس الشعب ليمثل صفعة قوية علي الوجوه المشككة والتي ترتدي اقنعة الحرية الكاذبة, والامر المؤكد ان انتخابات الشعب القادمة ستكون اضافة مهمة إلي السجل الوطني في ضوء التعليمات المحددة للرئيس مبارك بتوفير اقصي اجواء النزاهة والشفافية لها. وننتقل إلي الدرس الثالث والذي يتعلق بواحدة من القضايا الكبري ذات الصلة بالاوضاع الاقتصادية ومحاولة استغلال الحكم الصادر في قضية ارض مدينتي لارسال رسائل خاطئة للمستثمرين وللمواطنين ولجميع الانجازات التي تمت في السنوات الماضية والتي كانت وبحق نموذجا يحتذي بالنسبة لتقارير المؤسسات والهيئات الدولية. وجاء التحرك مؤكدا الاحترام الكامل لاحكام القضاء والبحث في سبل الحفاظ علي حقوق المستثمرين والمواطنين علي حد سواء والتعامل مع القضايا المماثلة برؤية تواكب المتغيرات الهائلة التي طرأت علي أرض الواقع وجعلت من القيمة المضافة للاراضي التي تملكها الدولة ثروة يجب استثمارها علي الوجه الامثل. واعطت التوجيهات المحددة للرئيس مبارك في هذا الشأن المعايير الواجب اتباعها حتي تواصل مصر برنامجها الاقتصادي الطموح الذي يقوم علي المشاركة الفاعلة بين الدولة ورءوس الاموال من الداخل والخارج حتي تتحول الصحراء الجرداء إلي واحات حضارية تحتضن المشروعات التي توفر المزيد من فرص العمل امام الشباب. هذه ثلاثة دروس رئيسية نستطيع بها أن نشير إلي أن مصر لن تكون ابدا كما يريد باعة الارصفة السياسية فهي ليست دولة هامشية يمكن للقوي غير الشرعية ان تسير الامور فيها, بل ان للدولة سياساتها الثابتة والواضحة علي الصعيد الخارجي, وقد حظيت بالمكانة الدولية رفيعة المستوي وأصبحت في قلب دائرة صناعة القرار الاقليمي والدولي كما أن الممارسة السياسية لا تخضع ابدا لنجوم الغفلة التي تحاول القفز من الفضاء لتسيطر علي مجريات التجربة الوطنية. وهي ثالثا الدولة الكبري التي تستطيع التعامل بالحكمة الواجبة مع القضايا الاقتصادية التي يمليها التفاعل الحيوي بين الدولة والمستثمرين. فهل يعترف باعة الارصفة بتلك الاصول والقواعد والإجابة هي: بالنفي, وذلك لان مثل هذا الاعتراف ينزع عنهم صفة باعة الارصفة التي يحرصون عليها.