رغم الدعم الذي سبق أن قدمه للحكومة التركية في مسيرتها نحو تعديل الدستور, ليس ذلك فحسب بل إنه دعا الاتراك صراحة إلي مؤازرة حكومتهم والتصويت بالايجاب علي حزمة التعديلات الدستورية, فإن الاتحاد الاوروبي أعرب قبل يومين فقط عن قلقه البالغ من مناخ الوعيد والترهيب الذي يسود علاقة العدالة الحاكم, وجمعية رجال الاعمال والصناعة ذات الشهرة والنفوذ والمعروفة اختصارا باسم توسياد والمؤسسة منذ أربعة عقود تقريبا. الأنزعاج الأوروبي لم يأت من فراغ فالعلاقة بين الحكومة وتوسياد التي تستحوذ علي47% من النشاط الاقتصادي بالبلاد ليست علي مايرام, فمع شروع العدالة والتنمية بالبدء في إعداد مشروع التعديلات الدستورية, كان لتوسياد رأي تمثل في دعوتها إلي تأجيل إجراء مثل تلك التعديلات إلي ما بعد الانتخابات البرلمانية القادمة التي ستجري في نوفمبر العام القادم وبطبيعة الحال لم تجد الدعوة أي استجابة من حكومة أردوغان التي كانت تسابق الزمن لاقرارها في البرلمان!! في المقابل رفضت الجمعية الاعلان عن موقفها التصويتي في الاستفتاء الشعبي الذي سيجري غدا سواء بكلمة نعم ام لا, وهو ما أثار حفيظة رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان, فأعطي الضوء الأخضر للصحف ووسائل الاعلام الموالية لحكومته التي راحت بدروها تكيل النقد والاتهامات للجمعية الخارجة عن الاجماع, ولم تكتف بذلك بل ذهبت تدق علي الوتر الحساس بإستعداء الجماهير للسخط عليها وعلي اعضائها الموالين للدولة العبرية خاصة ان العديد منهم من اصول يهودية ولهم بالتالي علاقات وطيدة مع اسرائيل أمثال: جم بوينر, جم فاكو, فيتالي فاكو, جم ادلار, جيف قمحي وغيرهم. الطريف أنه فجأة, وبين عشية وضحاها, ظهرت كل موبيقات ومثالب' توسياد' وكيف أن الأخيرة ما هي إلا مركز للمصالح الغربية والإسرائيلية في قلب الاناضول المسلمة فضلا علي أنها سند للعلمانية والعلمانيين, وهكذا حفلت الادبيات السيارة بكم من الكتابات التي هللت لجمعية موسياد التي تأسست عام1990 الخصم اللدود لتوسياد والتي سبق أن اعلنت عن دعمها المطلق للتعديلات الدستورية, وبدون أن تطلب انهمرت المقالات الدعائية للموسياد الاسلامية والتي حققت نموا سريعا في الأوساط الاقتصادية ووصل عدد اعضائها الي اكثر من3500 شخص يملكون8500 شركة يعمل فيها نحو مليوني شخص ويصل حجم تعاملها حاليا الي10 مليارات دولار واصبحت لاعبا مهما في اقتصاد تركيا رغم ما تعرضت له من هجمات شرسة من قبل الأوساط العلمانية, صحيح لم تصل حتي الآن الي حجم وقوة غريمتها توسياد إلا أن تأثيرها الشعبي بدون اي شك يفوق توسياد العلمانية بكثير!! وتمضي المناوشات وكأنها حرب أهلية بين الاقتصاد الإسلامي والآخر العلماني المسيطر علي حياة المال والأعمال منذ تأسيس الجمهورية التركية قبل سبعة وثمانين عاما والمصر في الوقت ذاته علي إبقاء مفاصل الاقتصاد في يده وهذا ما تقوم به جمعية توسياد التي تستخدم دائما قوتها الاقتصادية للتأثير علي النظام السياسي والقضائي للدولة من اجل تحقيق مصالحها واهدافها التي هي بطبيعة الحال لا علاقة لها بمصالح تركيا! هكذا بكل بساطة خلصت كتابات متخصصي الاقتصاد في حزب العدالة الحاكم, وتأسيسا علي ذلك كان طبيعيا أن نجد من يطالب بوقفة حازمة وحاسمة لكسر احتكار جمعية توسياد للاقتصاد التركي وليكن من خلال موسياد, ولم ينس هؤلاء الاشادة بالأسلوب الجديد الذي اتبعته حكومة أردوغان في ادارة الجانب الاقتصادي للصراع بين القوي العلمانية والاسلامية, والذي تمثل في تقليل احتكارات الغرب واليهود وذلك من خلال العمل علي جذب الاموال العربية للاستثمار في تركيا التي بلغت أكثر من20 مليار دولار. لكن يبدو أن مشوار العدالة أمامه الكثير فلا تزال توسياد باعتراف أركان الحكم واحدة من ابرز القوي الاقتصادية في تركيا ولا ينتظر, علي الاقل في المستقبل, أن يحدث تراجع في تلك المكانة التي تجاوزت الاناضول وصار لها تأثير مهم في أوساط الاعمال بأوروبا. ولهذا تولي الحكومة أهمية قصوي لاستفتاء الغد فإذا تحقق المراد فهذا سيعني أن وقت الحساب حان أما إذا جاءت النتائج مخيبة للآمال فسوف يكون حساب الجماهير عسيرا وقاسيا.