قبل أربعين عاما بالتمام والكمال كان الأردن ومعه القضية الفلسطينية يمران بواحدة من أخطر مراحلهما. في يونيو من عام1970 وقعت صدامات مسلحة بين الأمن الأردني ومقاتلين فلسطينيين تابعين لمنظمات فلسطينية مختلفة كانت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ذات الميول اليسارية أهمها. كان الفدائيون الفلسطينيون يسيطرون علي القلب والعقل العربي بعد هزيمة الحكومات في عام1967, وفي ظل الدعم الشعبي غير المسبوق في طول المنطقة وعرضها حقق الفدائيون مكاسب أجبرت السلطات الأردنية علي التراجع وأغرت المقاتلين الفلسطينيين بطلب المزيد. عندما جاء شهر سبتمبر كان فدائيو الجبهة الشعبية يحتلون العناوين الرئيسية في كل صحف ونشرات الأخبار في العالم بعد أن اختطفوا ثلاث طائرات ركاب وأجبروها علي الهبوط في مطار واقع تحت سيطرتهم في الأردن. في لحظة درامية قام مقاتلو الجبهة الشعبية بنسف الطائرات الثلاث, في تحد كبير للعالم وللسلطات الأردنية التي كان كل هذا يجري علي أرضها وتحت بصرها عاجزة عن التصرف إزاءه. كان الثوار الفلسطينيون يسعون لإسقاط النظام الأردني وتحويل الأردن إلي قاعدة للكفاح الفلسطيني المسلح ضد إسرائيل, بينما كان الأردنيون يفسرون ما يحدث باعتباره محاولة لاختطاف وطن بديل للفلسطينيين بعد أن فقدوا وطنهم الأصلي في فلسطين. رفع الثوار شعار' تحرير القدس يمر عبر تحرير عمان', بينما كان الأردنيون يرون وطنهم يضيع منهم دون دليل علي أن ذلك هو الطريق لتحرير فلسطين. في السابع عشر من سبتمبر شن الجيش الأردني حملة لا هوادة فيها علي تجمعات المقاتلين الفلسطينيين وقواعدهم, لم ينقض الشهر إلا وكان المقاتلون الفلسطينيون قد أجبروا علي الخروج من العاصمة عمان والمدن القريبة منها, ليلي ذلك طردهم من المدن الأردنية الأخري ومن الأردن كله. أنهي الجيش الأردني المرحلة الأردنية في الكفاح الفلسطيني, فدخل الفلسطينيون في المرحلة اللبنانية التي انتهت بحرب أهلية أخري بدأت في عام.1975 العذابات والمذابح التي شهدتها الحرب الأهلية في الأردن كانت نموذجا في الوحشية والقسوة التي لا يمكن قبولها أو تبريرها, لكن المؤكد هو أنه لولا هذه المذابح لكان الأردن ضاع إلي الأبد, أو كان قد دخل في مرحلة ممتدة من عدم الاستقرار, وهو ما حدث في لبنان بعد ذلك. الدولة لا يجب لها أن تتهاون مع الجماعات ا لمسلحة التي تحاول منازعتها الحق في احتكار السلاح, وفي هذا درس لدول عديدة في المنطقة مازالت لم تتعلم هذا الدرس بعد.