مارست الإدارة الأمريكية ضغوطا شديدة علي الفلسطينيين والإسرائيليين من أجل الانتقال إلي المفاوضات المباشرة, وفي نفس الوقت أجرت اتصالات دبلوماسية مكثفة مع عدد من العواصم العربية من أجل توفير الغطاء السياسي العربي للرئيس الفلسطيني محمود عباس, كي ينتقل إلي المفاوضات المباشرة, وهو الأمر الذي كان يتطلب تفوضيا واضحا من لجنة مبادرة السلام العربية. وقد تحقق لواشنطن ما أرادت, فمن ناحية قدمت لجنة مبادرة السلام العربية التغطية المطلوبة, وتم ترك الأمر بيد الرئيس الفلسطيني ينتقل إلي المفاوضات المباشرة وقتما يشاء أو عندما يحصل علي ما يريد من ضمانات وتعهدات. ومن ناحية ثانية تم تمرير الموقف بقدر قليل من' صخب الممانعة' فوزير الخارجية القطري اكتفي بالتعبير عن عدم ثقته في أن هذه المفاوضات سوف تحقق للفلسطينيين ما يأملون من تسوية سياسية, أما سوريا فقد اكتفت بأن تكون المشاركة علي مستوي السفير في القاهرة, والذي يشغل في الوقت نفسه منصب المندوب الدائم لسوريا في الجامعة العربية, فالرجل أدلي بحديث لوسائل الإعلام قال فيه ان اللجنة قد تجاوزت صلاحيتها, دون أن يوضح حدود هذه الصلاحيات, واين يقع التجاوز, فقد سبق للجنة أن منحت الرئيس الفلسطيني قبل ثلاثة شهور التفويض ببدء المفاوضات غير المباشرة, ويبدو أن التحرك علي المستوي العربي كان يسير باتجاه تقوية موقف' الاعتدال' فالعاهل السعودي كان في القاهرة ومنها إلي دمشق, ووصل بيروت وبيده الرئيس السوري, وهناك كان اللقاء مع أمير قطر, فهذه التحركات واللقاءات لم تكن وليدة اللحظة الأخيرة, وإنما كان يسبقها ترتيب علي النحو الذي جعل السفيرة الأمريكيةبالقاهرة مارجريت سكوبي تدخل مقر الجامعة العربية مع انتهاء احتماع لجنة المتابعة من أجل تسلم رسالة اللجنة الموجهة للرئيس الأمريكي باراك أوباما, وهي الرسالة التي تضمنت طلب ضمانات محددة من الرئيس الأمريكي حتي تبدأ المفاوضات المباشرة, وبعد أقل من ثلاثة أيام أعلنت مصادر فلسطينية أن الرئيس عباس تلقي رسالة الضمانات المطلوبة من الرئيس الأمريكي. ويبدو واضحا أن المفاوضات المباشرة سوف تبدأ قريبا, وأن هذه المفاوضات يمكن أن تحقق إنجازا كبيرا في غضون فترة صغيرة لاسيما أن اتصالات ومفاوضات غير معلنة توصلت إلي بعض التفاهمات التي يمكن البناء عليها, فقد ذكرت مصادر إسرائيلية أن هناك تفاهمات حول تبادل نسبة من الأراضي, اي تضم إسرائيل نسبة من اراضي الضفة الغربية مقابل الحصول علي نفس النسبة من أراض داخل الخط الأخضر, وأن هذه النسبة ارتفعت من1.9 في المائة من اراضي الضفة الغربية, إلي2.3 في المائة وأخيرا جري التفاهم علي إمكانية تبادل نحو3.8 في المائة من اراضي الضفة. وأشارت نفس المصادر إلي أن هناك تفاهمات دارت بشأن عودة15 الف لاجئ فلسطين سنويا ولمدة عشر سنوات. وفيما يخص موضوع القدس فإن أسس التفاوض التي جري بحثها في مفاوضات كامب ديفيد الثانية في يوليو من عام2000 لا تزال صالحة, وهي علي قاعدة أن تضم إسرائيل الحي اليهودي, مع سيطرة علي الحائط الغربي, وما عدا ذلك تكون القدسالشرقية عاصمة الدولة الفلسطينية. ويبقي بعد ذلك أن أبرز التحديات التي تواجهها هذه المفاوضات تتمثل في قضايا ثلاث أولها قضية الاستيطان, بمعني أنه لابد من تجميد الاستيطان طوال فترة المفاوضات, أي أن يتم تمديد التجميد الذي سينتهي في السادس والعشرين من سبتمبر القادم, وأن يظل هذا التجميد ساريا إلي حين انتهاء المفاوضات, ولإسرائيل أن تبني ما تشاء من مستوطنات أو توسع القائم منها في المنطقة التي ستخضع للتبادل, وأي حديث عن استثناء من هذه القضية سوف ينسف أي جدوي من المفاوضات, لأن الحكومة اليمينية الراهنة يمكن أن تواصل تكريس تهويد المناطق التي ترغب في ضمها ومن ثم تضمها واقعيا دون انتظار لمفاوضات. والقضية الثانية هي قضية حدود الدولة الفلسطينية, إذ لابد من التأكيد علي أن خطوط ما قبل الخامس من يونيو1967 هي حدود الدولة الفلسطينية وأن أي تعديل علي هذه الحدود سوف يكون في إطار صفقة لتبادل الأراضي. أما القضية الثالثة فهي تلك التي تتعلق بالسقف الزمني للمفاوضات, فآفة المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية منذ بدايتها هي عدم تحديد السقف الزمني للتفاوض بالدقة الكافية, إضافة إلي عدم ضمان هذا السقف الزمني من قبل القوي الكبري أو الولاياتالمتحدة تحديدا, فالنهايات المفتوحة للمفاوضات هي بوابة فشل كل ما جري من مفاوضات, ولأن حكومات اليمين تجيد المناورات, وتلعب لعبة توزيع الأدوار, ولا تتورع عن توظيف قضية' تماسك الائتلاف' من أجل التهرب من أي مفاوضات جادة, وبالتالي فإن علي الجانب الفلسطيني عدم دخول المفاوضات المباشرة ما لم يكن هناك تحديد دقيق للإطار أو الجدول الزمني, الذي لا ينبغي بأي حال من الأحوال أن يزيد علي العام ونصف العام قبل أن تنغمس الإدارة الأمريكية في معركة الانتخابات الرئاسية الجديدة. نعم لا توجد حلول عسكرية للقضية, وأن الحل الممكن سيأتي عبر المفاوضات, والمباشرة بإشراف أمريكي, ولكن كل ذلك يظل رهنا بتجميد الاستيطان من ناحية وتحديد الإطار الزمني بدقة متناهية مع ضمان أمريكي واضح وقاطع بأنه في حال عدم الوفاء بهذه الالتزامات, أو تهرب الحكومة الإسرائيلية من استحقاق التسوية يقضي بفتح الطريق إلي مجلس الأمن من أجل استصدار قرار جديد مكمل للقرار181 لسنة1947 الذي يقضي هذه المرة بإعلان قيام الدولة الفلسطينية علي نصف المساحة التي خصصها القرار181 للدولة الفلسطينية, فالحديث يدور الآن عن نحو22% من أرض فلسطين, بعد أن كان قرار التقسيم يمنح هذه الدولة قرابة44% من مساحة فلسطين. ولابد من مواجة صارمة للحجج التي يطرحها نتانياهو حاليا وهي أن تجميد الاستيطان بعد السادس والعشرين من سبتمبر القادم سوف يؤدي إلي تفكك الائتلاف الحكومي, والرد ببساطة أن التوصل إلي تسوية سياسية يتطلب تفكيك هذه الائتلاف, فالائتلاف الحالي الذي يضم إسرائيل بيتنا ليس ائتلاف تفاوض علي حلول وسط تاريخية تقوم علي مبدأ الأرض مقابل السلام, وأن تفكك الائتلاف الحالي أو خروج' إسرائيل بيتنا' منه سوف يكون مؤشرا علي جدية توجه نتانياهو نحو السلام, والتفكك هنا لا يعني سقوط الحكومة, لأن كاديما جاهز ومستعد لدخول الحكومة, والمؤكد أن من يخشي علي خروج حزب' إسرائيل بيتنا' لمجرد تمديد فترة تجميد الاستيطان لا يمكن أن يكون السلام التعاقدي جزءا من تفكيره, باختصار نقول في اللحظة التي يكون نتانياهو مستعدا لخروج' إسرائيل بيتنا' والقبول بدخول كاديما, عندها نقول ان نتانياهو بات مستعدا للدخول في مفاوضات جادة وحقيقية, وقبل ذلك فإن نتانياهو كما هو لم يتغير, يناور, يكذب, يخدع ولا يرغب في سلام تعاقدي.