لا أميل مطلقا للتعليق علي أحكام القضاء لا رفضا ولا استحسانا. فالقاضي يحكم بوازع من ضميره واستنادا للأوراق والمستندات والأدلة المعروضة عليه, ولا أحد يملك الحق في تقييم أو تقويم أحكامه إلا بالطرق القانونية المتمثلة في الاستئناف والطعن عليها أو رد المحكمة لأسباب وجيهة تقبلها محكمة النقض.
وما أثير من جدل حول أحكام الإعدام الجماعية التي صدرت بحق529 متهما من أعضاء جماعة الإخوان الإرهابية بارتكاب جرائم قتل واعتداء علي أقسام الشرطة وحرق عشرات الكنائس والمنشآت القضائية والشرطية وبث الرعب في قلوب المواطنين في محافظة المنيا, وما تلاها من جدل آخر حول أحكام الإعدام التي صدرت بحق683 متهما آخر يستلزم قدرا من المناقشة الهادئة بعيدا عن التعصب الأعمي والأحكام الجاهزة بإدانة القضاء.
فالحكم الأول وهو حكم أول درجة الذي أحيلت بمقتضاه أوراق المتهمين إلي فضيلة المفتي رغم كون رأيه استشاريا وغير ملزم للمحكمة تم تأييده بإعدام37 متهما من إجمالي عدد المتهمين, مع الحكم بسجن باقي المتهمين بالحبس لفترات مختلفة أغلبها المؤبد, والمعروف أن حكم أول درجة لو لم يمثل المتهمون فيه أمام القاضي يكون للقاضي الحق في الحكم المشدد بأقصي العقوبة وهو ما فعله القاضي, وهو بالقطع يعلم أن حكمه ليس نهائيا وأنه سيخضع لطعون واستئنافات وفقا لأحكام القانون, وبالتالي تسقط عن الحكم الاتهامات التي رددها كثير من المتحدثين في وسائل الإعلام من أنصار المحظورة بأن الحكم سياسي وليس قضائيا.
كما أن ما تردد عن أن القاضي حكم بالإعدام علي529 متهما خلال48 ساعة من نظر القضية لإثبات أن الحكم سياسي لا يستند لأي حقيقة, فالقضية منظورة أمام المحكمة منذ أكثر من9 أشهر, يعني أنها استوفت حقها من الدراسة من جانب القاضي.
الأهم من ذلك أن من يطلقون علي أنفسهم حقوقيين معنيين بالدفاع عن الحريات يتناولون القضية من زاوية واحدة وهي قسوة أحكام الإعدام بحق عدد كبير من المتهمين وأغلبهم هارب من العدالة, متجاهلين قسوة وبشاعة الجرم الذي ارتكبوه من قتل وحرق وبث الرعب والفوضي بين المدنيين والمواطنين الآمنين في المحافظة, واستهداف المنشآت الحكومية والمدنية والدينية بأقصي درجات العنف والإرهاب.
ومتناسين أن هناك ضحايا سقطوا علي أيدي هؤلاء المتهمين لهم أسر وزوجات وأبناء مازالوا يحلمون بالقصاص العادل علي أيدي المؤسسات القضائية بعيدا عن همجية الجريمة.
فلندع العدالة تأخذ مجراها, وليتحمل المجرمون بشجاعة مصيرهم وحصاد إجرامهم بنفس الدرجة التي أقبلوا فيها علي القتل والحرق والتخريب, ولله الأمر من قبل ومن بعد.