تختتم اليوم أنشطة ندوة السان سيمونية في مصر.. مسارات التحديث بالمجلس الأعلي للثقافة برئاسة الدكتور عماد أبو غازي, وكانت الندوة قد ناقشت علي مدار ثلاثة أيام أفكار الفيلسوف الفرنسي سان سيمون وأثارها علي مشروع النهضة المصري. وخلال مشاركته قال الدكتور أنور مغيث أستاذ الفلسفة بجامعة حلوان إن سان سيمون هو أول مفكري العصر الصناعي ومهدت لأفكاره فلسفة عصر التنوير التي تقوم علي فكرة الاحتفاء بالعلم كوسيلة لتحرير العقل البشري من كل الخرافات, وقد كانت كل الفلسفات قبل ذلك قائمة علي فكرة التمييز بين النخبة( التي تمتلك المعرفة) وعامة الشعب من الجهلاء, وأراد عصر التنوير الخروج من هذا عبر اتاحة المعرفة للجميع. وتابع: يختلف سان سيمون عمن قبله من المفكرين في أنه يري أن المعرفة لا تكفي وحدها بل ينبغي عمل شيء, لذا أجدني مختلفة مع وصف الطوباوية الذي أطلقه البعض علي سان سيمون, اذا اتجه السان سيمونيون لتنفيذ عملي لأفكاره. وأضاف: كان الانجاز الأساسي لسان سيمون قوله إنه لا توجد طبيعة انسانية وإن العقل الانساني في تحول مستمر, فالفرد الآن ليس هو الفرد قبل قرنين من الزمان وقدم سان سيمون للحداثة من منظور خاص جدا والكلام هنا علي لسان مغيث إذ رأي أن التكنيك لايكفي لحل مشاكل البشر, بل يجب ربطه بالأخلاق والتعليم وهذه نفس نظرته للاقتصاد, فليس هناك شئ ينتظم بآلية, بل أن التنظيم ووضع ضوابط للسوق هي فكرة سان سيمون التي برزت في الأزمة الاقتصادية العالمية. وأشار المؤرخ الألماني جورج شتاوت الي أن الفكر السان سيموني صاحب فكرة التحول الصناعي في أوروبا والتحول من الاقطاعية الي الأشكال الجديدة من الحكومة, وقال: السان سيمونية خليط بين السياسة والأدب والفلسفة ووضع مفكريها بعض نظريات اقتصادية برجماتية وحاول أعضاؤها معرفة الكثير عن الجزء الآخر من العالم وخصوصا مصر, لكن وعلي الرغم من ذلك لم تحظ مصر باهتمام كبير في كتاباتهم وفي كل ما أنتجه السان سيمونيون عن مصر3 صفحات فقط. وتابع: مع الفكر السان سيموني أصبح المشروع المصري نقطة تحول مهمة في تاريخ المشروع اليساري الفرنسي, وتكمن أهمية مناقشة هذه المرحلة من تاريخ أوروبا في اثراء التعاون الأوروبي والعالمي. وأضاف: ناقش سان سيمون التحول الصناعي وعلاقته بالدين والعلم ومع بلورة هذه الأفكار أصبحت قضايا الاقتصاد والعمالة أفكارا مناوئة للسياسة. ونبه شتاوت الي أن أهمية المشروع السان سيموني هو التفاته لفكرة المتوسطية واهتمامه بحلقة الدول المحيطة بالبحر المتوسط كشبكة افتراضية. وأرخ نائب رئيس الهيئة العامة للكتاب حلمي النمنم لظهور الفكر السان سيموني في مصر في ورقة بعنوان السان سيمونية والماسونية. وأشار النمنم الي أنه رغم دخول الفكرتين الي مصر في نفس التوقيت إلا أن الماسونية يشوبها بعض الغموض اذ يعرفها بعض الناس علي أنها مجموعة من البنائين( المهندسين) الاحرار, وبعضهم يقول أنها تعود الي العصر الفرعوني وبعضهم يذهب الي أن جامع أحمد بن طولون بناه الماسونيون ويستشهدون بان طرازه المعماري مختلف, وكذلك كتدرائية العباسية لكن نجد ما يهدم هذا كله في القرن ال19 اذ عرفها البعض بالحرية والاخاء والمساواة, الرموز الثلاثة للثورة الفرنسية, وأوضح النمنم بعض الفوارق بين الماسونية والسانسيمونية. وأشار النمنم الي أنه بالرغم من أن السان سيمونية مازالت تتمتع بصورة جيدة في عيون المصريين إلا أن الماسونية ساءت النظرة اليها بعد مجموعة من الأزمات منها وعد بلفور وقرار التقسيم الذي غضب من أجله الشعب المصري. وتابع النمنم: لم تسؤ العلاقة الي حد اغلاق المحافل الماسونية فقد زارها محمد نجيب وعدد من الضباط الأحرار والسادات والشاعر والمؤرخ جمال حماد, الي عام1964 حيث طلبت الحكومة المصرية من هذه المحافل بعض الأوراق فلم تتقدم بها فأغلقت رسميا, وإن ظلت بعض المحافل موجودة في الخفاء الي اليوم, ويقال أنه في الكواليس لم يكن هذا السبب الحقيقي وراء إغلاقها بل ضبط جاسوس صهيوني وصل الي منصب نائب رئيس الجمهورية في سوريا وعرف أنه كان يهوديا مقيما بالاسكندرية, واعتبرت هذه المحافل نواة للجاسوسية. ولفت النمنم الي أزمة الوثائق المصرية قائلا لا نستطيع الحسم هل كانت الماسونية في مصر حركة تحديث أم مجموعة من الشلل أم جماعات صهيونية تسعي لتحقيق مشروعها, إذ إن الأجهزة الأمنية المصرية لا تفرج عن أي معلومات في هذا الملف, حتي ولو بعد مرور مائة عام. وأوضح الدكتور محمد حافظ دياب أن السان سيمونيين فكروا في الهجرة الي الشرق ومصر تحديدا بعد مظاهر الفشل ووطأة الاضطهاد الذي استشعروه في بلدهم فرنسا في مطلع ثلاثينيات القرن التاسع عشر, تحقيقا لشعاراتهم عن استثمار المعمورة والتعاون الدولي وممارسة تجارب اجتماعية علي أرض جديدة. وقال: مشروع قناة السويس كان أهم وأكبر مشروعات السان سيمونيين وقد شجع ذلك السان سيمونيين علي اتخاذ مصر مركزا لنشاطهم في الشرق, وأعجبوا بالاصللاحات التي قام بها محمد علي وامتلاكه وحده مقاليد الاقتصاد فضلا عن جيشه الذي يحميه من الانتفاضات ممايسهلل مهمتهم, كذللك داعبتهم فكرة أنه كما استند بونابرت للقيام بحملته علي مصر في التمكين لله من حكم فرنسا, يمكن استعادة التاريخ نفسه فيتسلمون مقاليد اللأمور في فرنسا عن طريق مصر. وخلص إلي السؤال: هل تري ماقدموه رسالة تحديثية أم حلقة من مخطط استعماري مقنع لصالح النظام الرأسمالي؟ أما الدكتور أحمد درويش فقد تناول مصر في كتب الرحلات الادبية للسان سيمونييين وتطورات مشروعهم الفكري والاقتصادي في عهد محمد عللي باشا الكبير وأولاده حتي افتتاح القناة. وأشار الدكتور أحمد زايد إلي اهمال علم الاجتماع المصري للأفكار سان سيمون رغم تأثيره الكبير علي مسار حركة التحديث التي بدأها محمد علي ولازلنا نعيش أثارها حتي اليوم, وقال: عندما اهتم علم الاجتماع بددراسة الصناعة في ستينات القرن العشرين وسبعينياته لم تكن نظرية سان سيمون حاضرة علي الاطلاق بل كانت النظريات الامريكية في علم الاجتماع الصناعي ونتائج البحوث الميدانية للمدرسة الامريكية في الادارة والتنظيمات هي الحاضرة. وتتبع الدكتور محمد عفيفي في ورقته البحثية بالمؤتمر جذور الفكرة المتوسطية ورصد فكرة التعددية الثقافية لدي الطهطاوي وطه حسين وتنتهي بتصور المشروع الموسطي في الوقت الحاضر ومن نظرة تاريخية علي أنه مشروع بديل يطرح دائما في أوقات فارقة في تاريخ مصر. وتناقش اليوم ورقة الدكتور مجدي يوسف السان سيمونية في مصر وآليات الاستقلال والتبعية الاقتصادية السياسية التي أحاطت بمشروع قناة السويس, وما طبيعة الدور الذي لعبته السان سيمونية في هذا المضمار علي الرغم من أنها لم تنفذه وأنها مهدت لسواها ل دليسبس في قطف ثمرات البذرة التي وضعها انفانتان تلميذ سان سيمون وأحد أهم عمدة مدرسته, بالإضافة الي عدة أوراق منها السان سيمونية والشرق: شبكات التقنية والرؤية الجيوبوليتيكية لأنطون بيكون و ماذا كان ليحدث لمصر لو كانت تأثرت تأثرا غير متقطع بالسان سيمونية لعمرو زهيري, وبعض اسرار العلاقة بين السان سيمونية وفرديناند ديليسبس حول الملكية الفكرية لمشروع القناة لأحمد يوسف وتختتم فعاليات الندوة بمائدة مستديرة تناقش السان سيمونية في الشرق: مسارات التحديث. يشار الي أن سان سيمون ولد عام1760 م, وكان فيلسوفا فرنسيا يميل الي مبدأ تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية, ودعا الي الاهتمام بالصناعة, وتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص. واشترك سان سيمون في الثورة الأمريكية مدفوعا بحماسه وإخلاصه لأفكاره, وأيد الثوار الفرنسيين في فرنسا, ومن أشهر مؤلفاته( المسيحية الجديدة), وكان من أتباعه الفيلسوف الألماني أوكست كنت, والمهندس فرديناند ديليسبس الذي تبني مشروع حفر قناة السويس في مصر.