استكمالا لما سبق وأشرنا إليه في الحلقة السابقة من مسيرتنا الممتدة حول الغناء والتمثيل في السينما المصرية بحقبتها الابيض والاسود وفيها تحدثنا عما أحدثته ثورة الصوت في الشريط السينمائي, وكيف أنها نقلته إلي افاق لم يكن لأحد أن يتخيلها في ذلك الزمان البعيد نسبيا, لكن ميزاتها الكثيرة لم تحجب عيوبها الهائلة, فبعد حرمان طويل بدت هناك حالة نهم شديد نحو الكلام بمناسبة وبدون مناسبة وأول ما ينطبق علي هذه الحالة كان هو الغناء, فالمنتجون انتهزوها فرصة ليجعلوا الاغاني هي القاعدة بل هي الفيلم نفسه والمطربون بدورهم خصوصا ذائعي الصيت سعوا إلي استغلال الافلام لتكون مجرد تسجيل لحفلات غنائية أكثر منها أي شئ آخر ومن ابطال تلك المرحلة المفعمة بالاثارة يأتي اسم موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب علي رأس هذه القائمة بيد أنه فاق سيدة الغناء الراحلة أم كلثوم في حجم الغناء داخل الفيلم, فبداية كان وجوده سينمائيا أمرا حتميا لا لأن إمكاناته كبيرة في عالم التمثيل فهو مثله مثل أم كلثوم كان بعيدا كل البعد عن الاداء التمثيلي, والحق أن الأخير لم يكن قد نضج بعد لقطاع عريض من فناني هذا الوليد الجديد, ورغم ذلك ترك عبد الوهاب الذي سنفرد له حلقة اليوم وكذا الاسبوع القادم, بعض الملامح الفكاهية التي كان يتندر بها الناس ومازالوا مثل طريقة ضحكاته وكلامه اللذين بديا غريبين تدعوان إلي الضحك من قبل المتلقي ايا كانت المشاهد المفترض أنها كانت تراجيدية ومأسوية وحتي فيلمله الطريفلن' نسبيا' ممنوع الحب ورصاصة في القلب موضوعا الجمعة القادم لم يخرجا من هذا الاطار بل العكس بدا طريقة التمثيل تدعو للرثاء رغم أنها كانت تهدف إلي إضحاك المشاهدين نعود ونقول انتهز عبد الوهاب ذيوع الشريط الفضي بأن زحف عليه حاشدا له إمكانات مادية كبيرة قياسا إلي ما كان ينتج سواء في نهاية الثلاثينات أو السنوات السبع التالية في حقبة الاربعينيات, يذكر أن نجمنا الكبير اعتزل التمثيل علي نحو نهائي عام1947, اللهم الظهور في لقطات في عدد قليل من الافلام لم يتجاوز اصابع اليد الواحدة وكان ظهوره فقط للغناء وهذا ما حدث عام1949 عندما شدا بتحفته عشق الجسد فان عشق الروح باق في فيلم غزل البنات والذي أخرجه انور وجدي وقامت ببطولته ليلي مراد وكان آخر عمل سينمائي للراحل العظيم نجيب الريحاني. يحترف الغناء ويضحي بحبه رافق عبد الوهاب مسيرته السينمائية الغنائية المخرج محمد كريم أحد أوائل مخرجي السينما المصرية, وكان الأخير قد تلقي علومه في عالم الفن السابع بأوروبا, وكان باكورة تعاونهما فيلم' الوردة البيضاء' عام1933 والذي كتب قصته توفيق الميرندلي, وتصدي كريم للسيناريو تاركا كتابة الحوار للفنان الراحل سليمان نجيب والحكاية كانت بطبيعة الحال ميلودرامية, فثمة علاقة الحب تتوطد بين' رجاء'( سميرة خلوصي) ابنة' إسماعيل بك' وجلال( محمد عبدالوهاب) الذي كان يعمل لدي أبيها, ولم يكن قد كمل تعليمه, وعندما يعلم' الأب' بهذه العلاقة يصدر قرارا يفصل جلال من العمل فورا, أما الحبيبة رجاء فقد عانت من زوجة أبيها المتسلطة القاسية. يحترف جلال الغناء في الوقت الذي تمارس فيه' دولت'( دولت أبيض) زوجة إسماعيل بك الضغوط والحيل علي رجاء للزواج من أخيها شفيق, ويدبر شفيق المكائد للإيقاع بين الحبيبين ويفلح في ذلك, في ذات الوقت الذي يقابل فيه' إسماعيل بك'' جلال', ويطلب منه الابتعاد عن طريق ابنته حرصا علي مصلحتها, يتقدم شفيق للزواج من رجاء, لكنها تخبر أبيها بحبها لجلال, فيرفض للفارق الاجتماعي, ولأنه مغني, تزيد مكائد شفيق, الذي يتزوج من رجاء, ويفضل جلال أن يعيش علي العذاب والهوان ولا يتعرض لحبيبته, وفاء لحبهما, بجانب عذاب القصة, وركاكة المعالجة السينمائية, وثبات الشخوص وكأنهم مسمرون في الارض وبرودة أدائهم, كانت هناك الاغاني المحشورة حشرا في ثنايا دراما ثقيلة وعقيمة. أحبته ولم تكن تعرف أنه مثلها سليل بشاوات في يحيا الحب والذي أخرجه ووضع له السيناريو محمد كريم عام1938 عن قصة عباس علام وحواره أيضا, يستأجر' محمد فتحي'( محمد عبد الوهاب) شقة جديدة يتصادف أن إحدي نوافذها تواجه شرفة قصر' طاهر باشا' والد' نادية' وهي هنا ليلي مراد في أول اعمالها وفيه ظهرت حركاتها وكأنها في مسرح العرائس ولم تكن هي فحسب بل عبد الوهاب أيضا استثني من ذلك الراحل محمد عبد القدوس وعبد الوراث عسر والسبب أن كليهما امتلكا موهبة التمثيل, ولا ننسي زوزو ماضي التي كانت أكثر حيوية مقارنة ببطلة الفيلم. نعود إلي الاحداث التي كانت في إتجاه والاغاني بطبيعة الحال في اتجاه آخر, فسرعان ما يحدث سوء فهم ساذج بين' فتحي' و'نادية' حين يظن, أنها تقذف شباكه بالطوب فيعنفها بشدة وبطريقة غير لائقة, ثم يكتشف أنها ابنة أخت رئيسه في العمل في بنك مصر, وما أن تشكو له' نادية' حتي يقرر نقله إلي بني سويف. ويكتشف' فتحي' أن هناك طفلة هي التي ترميه بالحجارة فيعرف أنه مدين بالاعتذار' لنادية' ويلحق بها في قطار إسكندرية ليعتذر لها وهنا يلقي عليهما كيوبيد بسهامه فيجمع الحب بينهما وتعود' نادية' لترجو خالها إلغاء النقل, ويقترب' فتحي' من' نادية' ويكتشف أن والده يعرف والدها' طاهر باشا' ويتصل به تليفونيا ليبلغه بطلبه ويوافق الأب. وهنا تحدث المشكلة, تصل أخت' فتحي' وتراها' نادية' من الشرفة فتظن أنه يخونها, لكن خالها يعدها خيرا ويحاول أن يعرض مبلغا من المال علي أخت' فتحي' ظنا منه أنها عشيقة عابرة. لكن' فتحي' يكتشف ذلك عند مسايرة أخته لخال' نادية' التي انصرفت عنه فيصلح الأمور بينه وبين' نادية' ويكشف لها عن شخصية أخته. يعود والد' نادية' من السفر ويفاجئ' نادية' بأنه اتفق علي تزويجها من شاب ثري,وبالطبع فهي لا تعرف ثراء' فتحي', ترفض' نادية' هذا العريس لكنها تكتشف في موقف كوميدي بأنه' فتحي' نفسه, ويتزوجان, وينتهي الشريط بعد أن غني عبد الوهاب بما فيه الكفاية, وبعد أن أكد للمتلقين أنه رغم ثراء ابيه إلا أنه يعمل بجدية ويكسب من عرق جبينه.