الدكتور سيسيل ألبورت الإنجليزي الجنسية عمل كأستاذ في كلية طب القصر العيني أثناء الحرب العالمية الثانية. أصيب الأستاذ الإنجليزي بالصدمة من حال المستشفيات المصرية وحال كليات الطب في بلادنا فكتب كتابا سماه' ساعة عدل واحدة' انتقد فيه أحوال مؤسسات التعليم الطبي والرعاية الطبية في بلادنا. أكثر ما أفزع الرجل هو التعامل غير الإنساني وغير المهني الذي يتعرض له فقراء مصر في مستشفياتها, فدعا للفقراء بالعدل. تقرأ ملاحظات الطبيب الإنجليزي فلا تملك سوي أن تستنتج أن مشكلاتنا قديمة قديمة, وأن أي محاولة لحلها يجب أن تبدأ من الاعتراف بهذه الحقيقة. كتب الدكتور ألبورت عن طالب الطب الذي رسب في امتحان الجراحة العامة في مادة التوليد, فهب أستاذ أمراض النساء والولادة بالكلية والحاصل علي درجة الزمالة البريطانية, وتقدم باحتجاج رسمي أمام مجلس كلية الطب, وأصر علي أن يغير الممتحنون درجة هذا الطالب. قال الأستاذ في صدر دفاعه إن الامتحان كان صعبا, وأن الطالب لم يعامل معاملة عادلة, لكن الممتحنين رفضوا تغيير النتيجة, وناصرهم في ذلك مجلس الكلية. فقد الأستاذ أعصابه وهاج وماج في الحاضرين صارخا:' إذا لم ينجح هذا الولد, فإني سأستقيل من وظيفتي, فأنا لا أسمح لأحد من أفراد عائلتي بأن يعامل هكذا', ليتبين بعد ذلك أن الطالب موضوع الشكوي هو ابن أخ لأستاذ الطب الغاضب. الأستاذ الغاضب كان الوحيد الحاصل علي درجة الباشوية من بين أساتذة الطب المصريين, مع أنه حسب وصف الدكتور الإنجليزي أقل أساتذة الطب أهلية لهذه الدرجة' فهو يهمل في عمله بكل ضمير مستريح, ولا يحضر للمستشفي أو لإلقاء دروسه سوي مرة واحدة كل عدة شهور, علي الرغم من أنه يتلقي مرتبا كاملا نظير التدريس في الكلية وإجراء الكشف الطبي علي المرضي بالمستشفي الجامعي ثلاثة أيام في الأسبوع علي الأقل, حتي إن الممرضة المسئولة عن العيادة الخارجية لم تره أبدا, وطلبت من الأستاذ الإنجليزي أن يشير له حتي تتعرف علي شكله. طلاب الباشا لم يروه سوي مرة واحدة خلال ثلاثة شهور, كانوا خلالها يواظبون علي محاضرته الأسبوعية التي لم يحرص عليها أبدا. في اليوم التاريخي سمع الطلاب تصفيقا في الممرات فاندفعوا لاستطلاع الأمر ليجدوا صغار الأطباء يرحبون بالرجل العظيم الذي أتي ليجري عملية جراحية أمامهم. المحسوبية قديمة, والنفاق قديم, وإهمال الواجبات قديم, وغياب المحاسبة قديم, وفساد النخب قديم. هذا هو الدرس الذي يلفت الدكتور ألبورت نظرنا إليه.