الكلمة التي يتلفظ بها الإنسان أمانة يسئل عنها يوم القيامة وتظهر أهمية تلك الأمانة في زمن الفتن والمحن حيث يترتب عليها أمورا كبيرة وخطيرة قد لا يفطن إليها الشخص إلا بعد فوات الأوان وربما تسببت كلمة في إزهاق أرواح المئات أو الألوف من البشر أو نشوب حروب بين الدول أو قد تؤدي إلي طلاق زوجين, ولذلك حثت الشريعة الإسلامية علي الكلمة الطيبة والابتعاد عن الكلمة الخبيثة قدر المستطاع وحذرت في الوقت ذاته من الخطورة التي قد تنتج عنها وأكدت أن جميع الأمانات من الوفاء بالعهد والصدق وكل أعمال الخير تأتي من أمانة الكلمة. في البداية يؤكد الدكتور أحمد عمر هاشم أن أمانة الكلمة أمر واجب علي كل إنسان مسئولا كان أو غير مسئول لأنه محاسب علي كل كلمة ينطق بها لقوله تعالي ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد فكل كلمة يتلفظ بها الانسان فهو مسئول عنها أمام الله سواء كانت في أمر يخصه أو يخص وطنه أو غير ذلك ولا سيما في ظل الأحداث التي يشهدها القطر المصري والتي يجب علي العاقل فيها أن يصون لسانه عن الوقوع في الخطأ وعليه أن يحافظ علي وطنه وألا يغالي وألا يتطرف ولا يردد الشائعات المغرضة. وأوضح الدكتور أحمد عمر هاشم أن الإسلام شدد علي أهمية الكلمة وحذر من أن يكون الانسان كاذبا أو متهاونا في جانب الحق في كلمته. وأوجب علي الإنسان أن يصون أمانة الكلمة باعتبارها مسئولية كبري وبسببها قد تشتعل الفتن وتقوم الحروب وتشرد الأسر وتضيع المجتمعات, فلذلك دعا الإسلام إلي الحفاظ علي الكلمة والابتعاد عن الزور والبهتان حتي لا تضيع بسببها الحقوق ويزج بالأبرياء في غياهب السجون ولهذا نفي الرسول صلي الله عليه وسلم الإيمان عن الكاذب عندما سئل أيكون المؤمن بخيلا؟! فقال نعم..! أيكون المؤمن كاذبا؟! فقال لا, ولخطورة الكلمة في الإسلام شأن عظيم لأنها قد يضل بها إنسان ويرتكب إثما, والمولي تبارك وتعالي قال في كتابه العزيز مثل كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء فالكلمة الطيبة هي التي تحمل الخير أينما كانت بخلاف الكلمة الخبيثة التي تدعو إلي الشر ولا يتأتي من ورائها إلا كل سوء وهو ما نهي الإسلام عنه حيث لا تنتج الكلمة الخبيثة إلا الخراب والدمار والفساد. ويقول الدكتور طه أبو كريشة نائب رئيس جامعة الأزهر الأسبق أن أمانة الكلمة لها مساحة كبيرة في التوجيه الإسلامي من خلال كتاب الله تعالي وسنة رسوله صلي الله عليه وسلم, وذلك لأنها تدخل مجموعة الأمانات التي جاء الأمر بآدائها إلي أهلها في قوله تعالي إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلي أهلها وكذلك فإنها تعد من المسئوليات التي يسئل عنها الإنسان يوم القيامة أمام الله لقوله تعالي ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد وقوله أيضا وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا اقرأ كتابك كفي بنفسك اليوم عليك حسيبا ومن مظاهر أداء أمانة الكلمة أن يلتزم المتحدث بكل صفات الكلمة الطيبة ومنها صفة الصدق وصفة الإخلاص وصفة المسالمة كما أرشدنا إلي ذلك قوله صلي الله عليه وسلم عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلي البر وإن البر يهدي إلي الجنة ولا يزال الرجل يصدق ويصدق حتي يكتب عند الله صديقا وكذلك ما أشار إليه النبي صلي الله عليه وسلم في قوله المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده. ويشير أبو كريشة إلي أن أمانة الكلمة في مجال الحوار والنقاش تتمثل في ابتعاد المتحاور عن كل ما يؤدي إلي إثارة الشقاق والنزاع استجابة لقوله تعالي يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصية الرسول كذلك استجابة لقوله عز وجل ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم وكذلك فإن من أمانة الكلمة في مجال الدعوة لله عز وجل تقضي بأن يلتزم الداعية بهذا المنهج الذي جاء في قوله تعالي ادعوا إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ومن غير شك فإن الالتزام بأمانة الكلمة بين المتحدثين يؤدي لتحقيق سائر الأمانات الأخري كالوفاء بالعهد الذي نطق به اللسان والكيل والميزان فيترتب علي الالتزام بصدق الخبر عن السلعة ثمنا ووزنا ونوعا إلي غير ذلك من سائر الأمانات فأمانة الكلمة هي أساس الأمانات الأخري التي تتفرع منها لقوله صلي الله عليه وسلم من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت مؤكدا أن واجب المسلم في أوقات الفتن النصيحة في المقام الأول ذلك لأن الدين النصيحة ثم الابتعاد عن المشاركة في أي مظهر من مظاهر الفتن حتي يتم وأدها في مهدها. ويوضح الدكتور حامد أبو طالب مستشار شيخ الأزهر أن للكلمة خطورة لا تبدي لقائلها بعد أن يتلفظ بها دون أن يدري فقد يترتب عليها هلاك المئات من الناس أو نشوب حرب وتشرد الأسر, فالكلمة لها مسئولية أمام الله لقوله تعالي إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئول فالإنسان سيسأل عن كل كلمة تلفظ بها فالرجل الذي دلس وغش الجماهير البسطاء بقوله إن الجنة هنا وصدقه بعضهم وظلوا يبحثون عن تلك الجنة في رابعة العدوية مثلا بعد أن أقسم لهم علي ذلك وظل يؤكد لهم أنها علي بعد خطوات من هنا وأدي ذلك لتصديق الكثير ين له فألقوا بأنفسهم في التهلكة فلا شك أنه سيبؤ بإثم جميع من هلك في هذه المشكلة وجميع من أصابه مكروها نتيجة كلمة تلفظ, الأمر الذي يوجب علي كل شخص أن يراجع نفسه ويضع لسانه خلف عقله فلا ينطق بكلمة قبل عرضها علي عقله بحيث يكون العقل قبل اللسان ثم يصدر عن ذلك اللسان ولكن إذا كان الانسان عقله أمام لسانه فإن اللسان سيتلفظ بألفاظ قد تؤدي إلي هلاك وحدوث فتن. ولذلك أوجبت الشريعة الإسلامية علي المسلم أن يتلفظ بكلمات الخير التي تجعل الناس جميعا أصدقاء وتقدم الخير والنصيحة لهم بصرف النظر عن عقائدهم وأجناسهم وألوانهم وبصرف النظر عن كل شيء يجب أن يكون المسلم مصدرا للخير وليس مصدرا للشر وحذرته من مجرد الخوض في الشر بالحديث عنه كما حذرته من مخاطر الكلام قبل تحكيم اللسان فيه. رابط دائم :