لم يكن أحد يتصور أن محافظة الدقهلية الزراعية والصناعية والموجود بها الكثير من القري التي ضربت المثال في الانتاج ومع تردي الاوضاع الاقتصادية بسبب الظروف السياسيه للبلاد, حيث انتقلت إليها العدوي التي ابتليت بها مصر في السنوات الأخيرة وهي الهجرة غير الشرعية للشباب الذين يلقون بأنفسهم في المجهول بحثا عن عمل أصبح شحيحا في بلدهم, الكثير من الشباب الدقهلاوي بدأ يستغل وقوع المحافظة علي ساحل البحر المتوسط ووجود سفن الصيد بجمصة وعبر بحيرة المنزلة ومحاولة مغادرة البلاد بطريقة غير شرعية وقد تم ضبط أكثر من محاولة للهجرة خلال الفترة القليلة الماضية. ويقول مدحت الفيومي نائب أول رئيس الغرفة التجارية بالدقهلية, إن معظم من يلجأون الي الهجرة يعملون في مهن بسيطة أو حاصلون علي مؤهلات عليا ولا يجدون فرص عمل ويحلمون بالثراء السريع من هذا السفر غير المحسوب ونحن بدورنا نبحث عن المشاكل التي تواجه العاملين بتلك القطاعات لحلها كما نبحث مع المسئولين في القطاع الخاص عن الوظائف سواء فنية أو إدارية لتوفيرها لتلك الفئة, وعلي قدر المستطاع نجحنا في الفترة الماضية في توفير عدد من فرص العمل لبعض الشباب. اما في قرية ميت الكرما التابعة لمركز طلخا نجد مظاهر الثراء الفاحش, لتسجل أعلي نسبة ثراء في مصر, وفور دخول القرية تري المنازل والعقارات والفيلات والمحال وشركات الصرافة علي الطراز الأوربي, خاصة الإيطالي, بسبب هجرة أعداد كبيرة من أبنائها إلي إيطاليا واليونان وإنجلترا, ويقدر عدد المهاجرين بنحو80% من إجمالي سكان القرية, بعضهم هاجر هجرة شرعية ومعظمهم هجرات غير شرعية, وتحتل المركز الأول بين قري الجمهورية في الهجرة غير الشرعية. ويقول هاني عبد الله مالك لشركة سياحة إن هجرة شباب القرية بدأ في تسعينيات القرن الماضي بالسفر إلي إسرائيل من أجل العمل وكسب المال, بعد أن ضاق بهم الحال والرزق لعدم وجود أي أعمال لهم, وألقاهم طموحهم في أحضان إسرائيل ليعملوا هناك, ثم عادوا بالأموال لإنشاء شركات سياحة وصرافة وشركات هجرة شرعية وغير شرعية لتكون وجهتهم إيطاليا ويتركوا إسرائيل, لتبدأ رحلة أخري للقرية مع الطراز الإيطالي. ويؤكد ناصر السنباطي أحد أهالي القرية أنه في عام1995 قد سافر اكثر من100 شاب بشكل غير شرعي الي إسرائيل. وبعد عام عادوا ليبنوا منازلهم وينشئوا شركات صرافة ويعيشوا كسماسرة, ولم يعودوا لإسرائيل مرة أخري, خصوصا بعد أن هاجمهم أهالي القرية وانتقدوا سفرهم لتل أبيب. ويوجد في إسرائيل ما يزيد علي20 شابا من القرية حتي الآن, يخشون العودة إلي أهلهم الذين تبرأوا منهم بسبب تلك الهجرة, ليسدل بذلك الستار علي رحلة السفر إلي إسرائيل منذ عام2000, ولكن بعد أن بنوا الفيللات وكونوا الشركات والمنازل بأموال إسرائيلية. ويضيف الحاج عبد الرحيم حسن من أهالي القرية أن بداية سفر شباب القرية إلي إسرائيل كانت عندما سافر بعض الشباب من القرية لتشجيع المنتخب القومي إلي ايطاليا في عام1990, ثم تخلفوا هناك, وعادوا بعد عام إلي القرية بأموال كثيرة, مكنتهم من بناء بيوت فخمة وشراء سيارات, وهنا لم يجد عدد من الشباب ضالتهم سوي في الهجرة لإسرائيل, بعد فشلهم في السفر لإيطاليا. ويشير محمد أبو عمر من أهالي القرية الي ان إن آثار الهجرة لإيطاليا وإسرائيل ظهرت بوضوح علي منازل أصحابها واكتسبت الطراز الأوربي خاصة الإيطالي, وكثرت الفيللات والقصور والمحال الفخمة, كما اتجه الناس لشراء أراضي البناء التي ارتفعت أثمانها لتصل إلي8 آلاف جنيه للمتر, وانخفضت أسعار الأراضي الزراعية, ويوجد بالقرية نحو2000 محل تجاري ومطعم, يحمل75% منها أسماء إيطالية, ويتحدث أهالي ميت الكرما الإيطالية بطلاقة. ولم يقتصر الأمر علي انتشار شركات الصرافة التي تأسست في شوارعها لتلبي حاجة أهلها في تغيير اليورو إلي الجنيه المصري, بل وصل إلي أن أكثر من ألف محل تجاري تعمل في الصرافة وتتعامل رسميا باليورو في الشراء والبيع, فهي العملة المعتمدة والمتوفرة بكثرة في جيوب أهالي القرية وضواحيها. لم يختلف الحال كثيرا في بحيرة المنزلة التي كانت كنزا ثمينا لاستخراج خيراتها من كافة أنواع الاسماك ثم أصبحت مرتعا لمهربي السولار اثناء الأزمات المواد البترولية من سولار وبنزين اصبحت البحيرة التي تقع شمال مصر منفذا يتم عبرها تهريب تلك المواد, ومنفذا لتجارة السلاح غير الشرعية. يقول السيد احمد عوض( صياد) إن قري الشبول والنسايمة كانت أبنيتهما حتي عشر سنوات مضت من الطوب اللين ولكن تلك القري الآن اصبحت تحوي الفيلل والعمارات. فقد سهلت الأوضاع المتردية لأهلها وعلاقتهم بالبحر المتوسط منفذا آخر لأحتكار أهلها مهنة تهريب العمالة غير الشرعية إلي اليونان وإيطاليا. وفي قرية ليسا الجماليه قال عمر التناغي أحد المرحلين حديثا من إيطاليا, والذي يحاول الآن العودة بشتي الطرق لقد عملت صيادا منذ6 سنوات, وبعد جفاف البحيرة عملت صيادا في ليبيا والسعودية, هربت علي مركب نحو إيطاليا لكن تم القبض علي في مالطة مع50 آخرين ورحلونا الي مصر. وفي ظل توقف الصيد وجفاف البحيرة يحكي محمد الشريعي صياد أن هناك نشاطا آخر مرتبط بالتهريب, فملف الهجرة غير الشرعية فتح تجارة سوداء للمراكب المتهالكة, حيث يقوم سماسرة الهجرة الكبار بشراء المراكب بأضعاف أثمانها لاستعمالها في تهريب الضحايا, والمركب الذي لا يزيد ثمنه علي40 ألف جنيه بات اليوم يباع لتجار الهجرة غير الشرعية بنحو150 ألف, خاصة وان الصيادين لا يملكون مالا لإصلاح سفنهم, فيبيعونها ويفكرون هم شخصيا في الهروب إلي أوروبا بأثمانها. رابط دائم :