إن استمرار العدل في الأمم لا يدوم إلا بيقظة الشعب وشجاعته وقدرته علي الرقابة والمتابعة, فالحكومات من صنع الشعوب, إذا كانت صالحة فلأن الشعب يراقب الحاكم بموضوعية بعيدة عن الميل والهوي ويتابع أعماله, ولن يتأتي ذلك لشعب من الشعوب إلا بالتنوير والتثقيف و إلإ تحول الناس إلي بطانة سوء ونفاق تسبح بحمد الحاكم فتصنع فراعين وطواغيت...!! لعل ما دفعني لكتابة هذا الاستهلال ما باتت عليه أم الدنيا مصر النيل الهرم, إذ رأيتها بركانا ثائرا يقذف وجهات نظر متعارضة وآراء متخاصمة ومصالح متداخلة, فانطوت قيم وارتحلت ثوابت واندثرت موروثات كانت حديث الدنيا علي مدي قرون أيام كانت الدنيا بأسرها لا تعرف النور إلا من شمس مصر ولا تعرف الحكمة إلا من تاريخ مصر, ولا تدرك الحضارة إلا من علماء مصر..!!! فماذا أصاب أم الدنيا ؟! لقد غشيتنا موجات من النكبات والمصائب, لعل أخطرها أننا تسامحنا في مواطن العقوبة, وأشفقنا علي من وجبت عليه القسوة, فشاعت في المجتمع فوضي التسامح وفوضي الشفقة, فاعتصمت الألوف وتظاهرت بحق وبغير حق, وهجرت مواقع العمل والانتاج, فتبددت ثروة الوطن وتلاشت موارده, ومع ذلك يناشدون الدولة العطايا والمنح..!! إن الناس لو أنصفوا وارادوا إصلاحا يتمنون حاكما حازما شديدا يعرف حقوق الناس ويقيم موازين العدل, يدرك متي يعاقب ومتي يكافئ.. إن اختلال موازين المجتمع أنجبت قوافل الساخطين وملايين العاطلين, والعرب قديما قالوا: إن الفراغ مفسدة, نعم, إنها المفسدة التي روعت الآمنين بالتفجيرات والقتل والسحل والاختطاف وكل صنوف الفوضي التي تصدرت مراتب الاهتمام في مصرنا الآن.. فالعقول شوهت والأفكار انحرفت, فأثمرت إرهابا لا عهد لنا به من قبل. إن الاهارب في جوهره فكرة شريرة زينت لصاحبها تخطئة من حوله اعتقادا منه انه هو الوحيد علي صواب خاصة من الناحية الدينية, فلماذا لا يكرر محاولات تصويب الخطأ من وجهة نظره ؟!؟ من هنا كانت جماعات التكفير والجهاد يرون أنفسهم علي الحق والمجتمع علي الباطل, فأصبحوا معاول هدم لإعادة بناء مجتمع الكفرة والجاهلية, وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا..!! ثم ظهرت فئات مجتمعية تبرر أفعال هؤلاء بزعم الجهاد ودعاوي التدين, ثم أقاموا منابر لهم تروج أفكارهم وقد أغمضوا عينا فلا يرون بالأخري سوي ما يفعلونه وهم يعلمون او لا يعلمون لافرق أن الترويج او الارهاب من صفات الكافرين وان ما يصنعونه بمجتمعهم مده جهلهم الشديد بمنهج القرآن او الاسلام, ثم إنهم وما يفعلونه يقدمون ضد أوطانهم مادة إعلامية ثرية لفضائيات الإعلام الأسود المنتشر في أرجاء الدنيا ضد الإسلام والمسلمين وبلادهم فأصبح الاسلام والارهاب عندهم عملة واحدة, حتي في اوساط مجتمعنا وجدنا البسطاء والأميين/ وهم كثر, يناصرون هؤلاء بزعم الجهاد والتدين.. نعم, الإسلام أقر الجهاد ولكن المقصود به هو دفاع الدولة عن سيادتها ضد اي عدوان خارجي, فلولا العدوان ما كان الجهاد, فالأمر موكول للدولة لا للأفراد, ولكن جماعات وعشائر تحارب مجتمعها وترهبه بزعم الجهاد, فذلك تشوية وانحراف, لأن النبي صلي الله عليه وسلام, كان اشد الناس عدواة لكل أشكال العنف والترويع, فهو القائل: إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي علي الرفق ما لايعطي علي العنف.. فما احوجنا إلي الرفق ثم وجدنا بعض هذه الجماعات الجهادية التكفيرية أو... تبرر ترويع الآمنين من بني وطنهم إلي علاقة امريكا بإسرائيل حديثة عهد في الوجود, لأن تنظيم الجماعة السري في مصر كان قد فجر أماكن كثيرة في مصر خاصة دور الملاهي والسينما ثم اغتالوا القاضي الخازندار الذي قضي بإيداع مفجري القنابل غياهب السجون... فأين كانت إسرائيل آنذاك من هذا المبرر الممقوت..!! إن الإصلاح ليس عسير المنال غير أننا كدولة نعاني من رفض الإصلاح خاصة الإداري الذي يخيم علي كل مرافق الدولة في غياب نظام رقابي حاسم يتابع متابعة صادقة تجتث جذور الفساد مهما كانت مكانة المفسد ثم يأتي باب الإصلاح الأعظم المتمثل في التعليم والاعلام, خاصة هذه الفضائيات التي تسحر عقول البسطاء والأميين في غياب الوعي الثقافي بمشاهد واحداث تستقطب أولئك نحو جماعات الارهاب. ثم التعليم وما ادراك ما التعليم الذي أصبح أعظم مآسي المجتمع, فالمناهج متخلفة لأنها عطلت العقول فسلبتها نعمة الابتكار والبحث والتفكير, فأنتجت عقولا مقبولة في قوالب جامدة مما سهل علي دعاة التكفير والجهاد وتجهيل الجتمع وكراهية استقطاب هذه العقول بتفسيرات مشوهة او ملتوية لبعض آيات القرآن الكريم, فتحول بعضهم إلي مشروع شهيد/ ه او مشروع قنبلة بشرية موقوته, انهم يفخخون انفسهم طوعا تنفيذا لأوامر إمامه او شيخه او أميره بزعم أنه سيدخل الجنة فور التفجير وكأننا قد استبدلنا صكوك الغفران بالبارود والأحزمة الناسفة...!! إن أسباب التخلف ليست خافية علي أحد في مصر, فالحكومات تنفق الزمن وتهدر الأموال والمسئول فوق القانون لا يحاسب, وبالتالي فالحكومة هي الراعي الرسمي للخراب وتهيئة البيئة السكانية للإرهاب والتطرف, ومع ذلك لا يستحي المسئول وهو يحدثنا عن المستقبل وكأن الأحفاد سيرثون الفردوس الأعلي في ظل خطط خمسية وعشرية وغيرها من مظاهر الرجل الحكومي حتي وصل الحال الي ما نحن فيه اليوم..!! ثم إن المسئول ايضا لا يستحي من أن إسرائيل ترصد ميزانية للتعليم تأتي مباشرة بعد ميزانية وزارة الدفاع, واسمع احد مسئولي التربية في إسرائيل يقول: التربية هي أيضا من مستلزمات الدفاع الوطني, كما تنفق علي البحث العلمي(9.8) مليار شيكل علي البحث العلمي..!! إن الذي دفعنا هنا نحو الهاوية وتقهقرنا عالميا من بيدهم زمام المور أصحاب القرار وقد يبست عقولهم... إن المستقبل للعقول المتفتحة التي تدرك معني التطور, إن ما نحن فيه من نكبات ليس إلا انذارا بأننا نتراجع علي الرغم من أن كل إنذار يأتي أشد من سابقه إلا ان المسئول عندنا لا يحرك ساكنا, وعلي الجملة فإن كل دعوة للإصلاح تقابل بألف دعوة للتشويه وكل تشويه ضعف وكل ضعيف يلتهم فمتي نفيق ونعتبر ؟! فالواجب ان يقتص من المقصر أيا كان لأي ضياع العلم أفسد السياسة وإفساد السياسة بدد موارد الدولة فانفجرت براكين الإرهاب والتكفير بسبب الفقر والفساد, ولو ان المسئول فكر بحساب المكسب والخسارة لوجد الخسارة أكثر, فإن اعتدل المسئولون فبشرهم بنعيم مقيم والإ فعذابهم أليم..!! رابط دائم :