في ظل الأحداث اليومية التي تشهدها مصر من مظاهرات لتنظيم الإخوان الإرهابيين وما يقابله من رفض شعبي جارف في جميع المحافظات, وما نشاهده دوما من مثقفين وسياسيين علي شاشات التلفاز والفضائيات الذين يحللون مجريات الأمور وتوقعاتهم للتطورات الاقتصادية في البلاد, تجد أناسا في زاوية أخري لهم نفس التوجهات والشعور ولكن لا يملكون التعبير عنها إلا بقلوبهم وتعاطفهم فقط كاضعف الإيمان, وليس لهم نصيب حاضر في خضم الأحداث, رغم كونهم من قاعدة الشعب والذين بايديهم نبني أحيانا ونهدم أحيانا لإعادة الاعمار.. أنهم عمال التراحيل, الذين يعيشون حياتهم يوما بيوم متمنين تحسن الأحوال في وطنهم حتي تنهض ظروفهم المعيشية وهم يحلمون بمستقبل لأولادهم أفضل مما كتب لهم. وعلي سبيل المثال ففي محافظة سوهاج نجد عمال التراحيل يجلسون علي الارصفة بالشوارع العامة والفرعية وبالميادين وأمام المساجد والمصالح الحكومية بمراكز وميادين سوهاج وأمامهم معدات العمل يقومون بلفها في كيس من القماش أو البلاستيك, لا ينتظرون سوي الفرج وعينهم تراقب كل عابر سبيل يمر أمامهم في الشارع, او مستقل سيارة وينهض مزاحما رفاقه علي أبواب السيارة التي تقف أمامهم مهما كان غرض صاحبها من الانتظار, لا يفقدوا الأمل رغم قسوة الحياة, بل يبحثو عن ظل شجرة أو عمود إنارة ليحميهم من حرارة الشمس. في البداية يقول موسي فرغلي يعمل في حمل مواد البناء منذ أكثر من عشرين عاما في منطقة الشهيد, ويتشرف بهذه المهنة التي كان لها الفضل في تربية أولاده الخمس, ويري أن هذه المهنة تحتاج إلي صبر وجلد وتحمل, وهو لايملك من الدنيا شيئا سوي الصحة والستر ويطالب بإنشاء نقابة يحتمي تحتها كل من لا عمل له, تكون سندا لهم, وتعينهم علي نوائب الدهر, داعيا الحكومة إلي تبني هذا الطلب, أسوة بكل من ينتمي إلي مهنة وله نقابة. يقول أشراف إبراهيم عامل أخرج كل صباح من بيتي, داعيا ربي أن يفتحها في وجهي, وأن اعود آخر النهار مجبور الخاطر, وقد رزقه الله برزق العيال, محملا جيبه ببضعة جنيهات يذر بها الرماد في عيون زوجته وأولاده. يوكد حسين فواد عامل أن عمله بالمعمار أشرف من التسول وهو سعيد بعمله, ويشعر بحالة من الرضا, لأنه ليس لديه بديل سواء هذا العمل الشاق من اجل الحصول علي قوت يومي لتربية أولادي يقول حسني عبد الرحيم حاصل علي دبلوم أن الأوضاع لم تتغير كثيرا بل زادت قسوة ومرارة, فقد فات قطار العمل الحكومي الذي طال انتظاري له بعدما تقدمت كثيرا لشغل وظيفة مما أعلنت عنها الحكومات السابقة, إلا أن الرد كان دائما أن تلك الإجراءات صورية والموظفون معروفون, والآن الجميع يخبرني أن فرصة التحاقي بعمل في إحدي المؤسسات الحكومية أصبح ضربا من الخيال بعد تجاوزي الأربعين مضيفا, لدي خمسة أولاد وأبحث عن قوت يومي لندرة الأعمال بالقرية فلا يوجد في قرانا مصانع أو شركات, ولا نجد في منازلنا سوي آهات الأوجاع وصورة الفقر التي تلازمنا نهار وليل. واضاف فراج عبد العاطي حاصل علي معهد فني اعمل باليومية منذ11 عاما لكي اوفر لقمة عيش لاولادي وإن أوضاع عمال اليومية زادت سوءا بعد الثورة ولا نجد من ينظر إلينا باحثا عن حلول لمشاكلنا وما نسمعه دائما من المسئولين لا يتعدي سوي وعود براقة بمستقبل أفضل, إلا أن الواقع كما هو دون تغيير. يشير أبو الوفا محمد عامل الي أنه يفترش الأرض هو وزملاؤه يوميا, ينتظرون أن يمن الله عليهم برجل يحتاج إلي أنفار لكي يحملو له ما يحتاجه إلي حيث يريد موكدا اننا نقف ونجلس كاليتامي الذين لا كافل لهم, أو الغربان التي علي رأسها الطير, تكتسي قسمات وجوههم بالذل والإنكسار, وتمتليء نفوسهم بالحسرة, حتي إذا اقبل عليهم الفرج, المتمثل في ذلك الرجل الذي يإتي إستحابة من أجل نقلة الرمل أو الزلط او الطوب ويهرولوا عليه مسرعين, يمسك كل واحد منهم بتلابيب ثوبه, ويتعلق كل واحد منهم برقبته, عسي أن يختار منهم واحدا أو أكثر. يقول فتحي عبد الجواد عامل يخرج من بيته كل إشراقة شمس, إلي الميدان او الشارع يحمل فأسا وكوريكا, وعدة الشغل, ينتظر هو واخرين مقاول الأنفار, الذي يعمل في مجال الخرسانة المسلحة, ليعود مع غروب الشمس مكدودا متعبا بيومية50أو60 جنيها, إلا أنها ليست مستمرة كل يوم وقد يظل بعدها يوما أو ثلاثة أيام دون عمل تقول الدكتورة سحر وهبي أن كل عمل شريف يؤديه صاحبه بإتقان فهو عمل متميز, وأيا كان العمل فصاحبه يجب أن يعتز به, لكي ينتج, وعندئذ سينظر إليه الناس نظرة تقدير واحترام, وربما ينظرون إليه أفضل من نظرتهم لآخرين يشغلون مواقع مرموقة في المجتمع. كما تقول الشخص هو إتقان العمل, كما قال رسولنا الكريم صلي الله عليه وسلم: إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه. رابط دائم :