نتيجة تقليل الاغتراب لطلاب الدبلومات الفنية، الرابط الرسمي    وزير التعليم العالي يبحث مع وفد مجلس الشيوخ الفرنسي سبل تعزيز التعاون الأكاديمي    رسميًا.. أسعار استمارة بطاقة الرقم القومي 2025 وطريقة استخراجها مستعجل من المنزل    وظائف الأزهر الشريف 2025 .. فتح باب التقديم لوظائف معلم مساعد ب9 آلاف فرصة    وزير الزراعة يبحث مع نظيره السعودي تعزيز التعاون المشترك    سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الجمعة 19-9-2025 بعد آخر ارتفاع بالبنوك    أسعار الفراخ اليوم الجمعة 19-9-2025 في بورصة الدواجن.. سعر كيلو الدجاج والكتكوت الأبيض    عيار 21 الآن وأسعار الذهب اليوم في بداية تعاملات الجمعة 19 سبتمبر 2025    وزير الزراعة يبحث مع نظيره السعودى تعزيز سبل التعاون المشترك    أسعار الأدوات المدرسية 2025 في محافظة الشرقية    نتنياهو ينقلب على بن غفير ويتهمه بتسريب أسرار مجلس الوزراء    شهداء وجرحى بينهم أطفال فى قصف الاحتلال عدة مناطق فى قطاع غزة    تحطم مروحية أمريكية على متنها 4 جنود في واشنطن    الخطيب يطير إلى السعودية لأداء العمرة بعد إتمام عمومية الأهلي بنجاح    مواعيد مباريات اليوم الجمعة 19-9-2025 والقنوات الناقلة.. أبرزها الأهلي وسيراميكا    مجدي عبدالغني: «لا يمكن أترشح في انتخابات الأهلي ضد الخطيب»    الموت يفجع خوان بيزيرا.. ورسالة مؤثرة من اللاعب    تجديد حبس شبكة أجنبية تخصصت في ممارسة الأعمال المنافية للآداب بالمعادي    جريمة مروعة تهز نبروة.. أب يقتل أطفاله الثلاثة ويطعن زوجته الثانية ثم ينهي حياته تحت عجلات القطار    السيطرة على حريق شب في سيارتين على الطريق الدائري بالقليوبية    48 ساعة.. تفاصيل آخر كسوف للشمس في 2025 وأماكنه المباشرة (متبصش للسما)    تعرف على الحالة المرورية اليوم    جيمي فالون يتحدى سياسة ترامب ويسخر منه بعد وقف برنامج كيميل (فيديو)    رئيس القومى للطفولة تشهد افتتاح الملتقى الدولى لفنون ذوى القدرات الخاصة    يسرا اللوزي تشيد باهتمام الناس بالصحة النفسية: «بقينا نفتخر إننا بنروح لدكتور نفسي»    وفاة شقيقة الفنان أحمد صيام.. تعرف على مكان الجنازة اليوم    وزير الخارجية: نسعى لتفعيل المجلس التنسيقى الأعلى بين مصر والسعودية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 19-9-2025 في محافظة قنا    للمرأة العاملة، ممنوع وضع المعجنات يوميا فى لانش بوكس المدرسة بدلا من الساندويتشات    أفكار تسالي للمدرسة.. اعملي الباتون ساليه بمكونات على قد الإيد    زلزال بقوة 7.8 درجة يهز منطقة كامتشاتكا الروسية    عمرو يوسف: مؤلف «درويش» عرض عليّ الفكرة ليعطيها لممثل آخر فتمسكت بها    برلمانية: الرئيس السيسى أعاد إحياء صناعة هامة وقومية وهى "الغزل والنسيج"    إسبانيا تعلن استعدادها لتطوير أسطول الطيران وسلاح الجو المصري    ميرتس: ألمانيا ستحدد موقفها من عقوبات الاتحاد الأوروبي على إسرائيل بحلول أكتوبر    التعليم: حملة موجهة من مراكز الدروس الخصوصية لإبعاد الطلاب عن اختيار البكالوريا    القوى العاملة بجنوب سيناء تنظم ندوة لتعزيز الوعي بالقانون الجديد    أصل الحكاية| سرقة الأسورة الملكية من المتحف المصري جريمة تهز الذاكرة الأثرية    عياد: دار الإفتاء تفتح أبوابها للتعاون مع المؤسسات الدينية في كازاخستان    مستشفيات جامعة المنوفية تنجح في إنقاذ حياة مريض وإزالة ورم ضخم بالرئة    دعاء الفجر|تعرف على دعاء النبي بعد صلاة الفجر وأهمية وفضل الدعاء في هذا التوقيت.. مواقيت الصلاة اليوم الجمعة    دونجا: عبدالقادر مناسب للزمالك.. وإمام عاشور يمثل نصف قوة الأهلي    الصحفيين تكرم المتفوقين دراسيا من أبناء صحفيي فيتو (صور)    أمينة عرفي تتأهل إلى نهائي بطولة مصر الدولية للإسكواش    واشنطن تجهز مقبرة «حل الدولتين»| أمريكا تبيع الدم الفلسطيني في سوق السلاح!    نقيب الزراعيين: بورصة القطن رفعت الأسعار وشجعت الفلاحين على زيادة المساحات المزروعة    رسميًا.. الاتحاد السكندري يعلن إنهاء تعاقد أحمد سامي وإيقاف مستحقات اللاعبين    سادس فيتو أمريكي ضد وقف إطلاق النار في غزة خلال عامين    حي علي الصلاة..موعد صلاة الجمعة اليوم 19-9-2025 في المنيا    تعرف على اسعار الحديد والاسمنت فى أسيوط اليوم الجمعة    بإطلالة جريئة.. أحدث ظهور ل ميرنا جميل داخل سيارتها والجمهور يعلق (صور)    بعد رباعية مالية كفر الزيات.. الترسانة يقيل عطية السيد ويعين مؤمن عبد الغفار مدربا    خليكي ذكية ووفري.. حضري عيش الفينو للمدرسة في المنزل أحلى من المخبز    أوفر وخالٍ من المواد الحافظة.. طريقة تجميد الخضار المشكل في البيت    شروط النجاح والرسوب والدور الثاني في النظام الجديد للثانوية العامة 2026-2025 (توزيع درجات المواد)    «نعتز برسالتنا في نشر مذهب أهل السنة والجماعة».. شيخ الأزهر يُكرِّم الأوائل في حفظ «الخريدة البهية»    هنيئًا لقلوب سجدت لربها فجرًا    الدفعة «1» إناث طب القوات المسلحة.. ميلاد الأمل وتعزيز القدرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمود الورداني يكتب عن‏:‏ صورة بالأبيض والأسود للولد الذي صار أسقفا

يملك هدرا جرجس ذلك القدر الذي يحتاجه الكاتب من المكر والدهاء الفني‏,‏ كما يملك في الوقت نفسه لغة رائعة‏,‏ يلجمها بين الحين والآخر تجنبا لمهاوي العاطفية والغنائية‏,‏ ويملك أيضا ثقة بالكتابة واحتراما لها‏,‏ وهو أثمن ما يمكن أن يملكه أي كاتب‏.‏
وفي مجموعته بالضبط كان يشبه الصورة الصادرة عن الدار يشير علي الغلاف الي أن ما يقدمه للقارئ قصص قتالية بينما يري كاتب هذه السطور أن هدرا قدم نصابين الرواية والقصة عبر المشاهد الستة التي شكلت فضاء زمنيا ومكانيا لمائة عام من حياة هؤلاء الذين اختارهم من أقصي جنوب مصر‏.‏ والحال أن طموح هدرا في الاساس ضخم جدا‏,‏ وأظن أنه حقق الكثير مما يطمح اليه‏.‏
من جانب آخر‏,‏ من خلال متابعة ما يكتبه الروائيون والقاصون الجدد أخيرا‏,‏ يمكن القول ربما بشيء من التحفظ أن تجديدهم ومغامراتهم لم تعد مقصورة علي الرواية وحدها‏,‏ بل امتدت الي القصة القصيرة أيضا‏,‏ ويمكن أن يقفز إلي الذهن علي الفور أسماء مثل عادل عصمت ومجاهد الطيب ومحمد الفخراني علي سبيل المثال‏.‏ أما بالضبط كان يشبه الصورة فهي لوحة فسيفساء تتكون من ست وحدات أو مشاهد‏.‏
وفي المشهد الأول‏..‏ الباشكاتب يتذكر الأنبا استفانوس في اللحظة التي كان غبطة البطريرك يمنحه درجة الأسقفية‏,‏ تلك الأمسية البعيدة التي ضربه فيها أبوه المقدس أيوب بسن عصاه في صباه الباكر وجرحه جرحا غائرا ظل موشوما به طوال حياته‏,‏ بسبب جرأته وتفكيره في أن يترهبن‏.‏ أيامها كان الولد اسمه بخيت وقرر وهو الولد الوحيد لأبويه أن يترك تجارة أبيه وأطيانه ويختار طريق الرب‏.‏
تذكر الأنبا استفانوس كل هذا في اللحظة التي كان المصور يلتقط له صوره غبطة البطريرك وهو يمنحه البركة‏.‏ وبعد سنوات اشتري الباشكاتب هذه الصورة‏,‏ ولم ينس أن يرسل غمزة من عينيه لصوفيا أرملة ساعي البريد‏,‏ وهي أيضا ردت عليه بابتسامة خلف الطرحة البيضاء حاولت فيها ان تتصنع حياء مراهقة وسرعان ما نعلم ان الباشكاتب الذي يشبه الأنبا استفانوس كأنهما فولة وانقسمت نصفين‏,‏ لم يشتر الصورة عبثا‏,‏ بل كان منذ أكثر من سبعين عاما واحدا من المعاصرين للأنبا استفانوس وطالما شاهد معجزاته كقديس في زمن فاسد عزت فيه المعجزات وجفت فيه القداسة‏.‏
اتخذ الباشكاتب عطاالله طريقه الي البناية العتيقة ذات الطوابق الثلاثة وفي مدخلها كان اسماعيل الاعرج يقف بجوارفاترينة زرقاء وموقد كيروسين
وبراد الشاي بالطبع‏,‏ ويسأله الباشكاتب‏:‏
عندك يا اسماعيل يا ابني شاكوش ومسامير‏.‏
تلك هي الملامح العامة للمشهد الأول في المتتالية وفي المشاهد الخمسة التالية لن نتعرف علي ملامح الشخوص الذين أوردهم الكاتب في المشهد الأول فقط‏,‏ بل أيضا سنكتشف حجم المكر والدهاء الفني الذي يملكه الكاتب‏,‏ ولا تكمن حيلته الفنية في العبور بحرية شديدة في الزمان والمكان فقط بل تكمن أيضا في نجاحه في أن يقدم مقطعا بالغ الحساسية والعمق أيضا من حيوات هؤلاء الناس‏.‏
لا أريد أن أتحدث طويلا حول ما فعله هدرا جرجس عندما قدم تلك المقاطع والمشاهد العميقة والمدهشة من حياة الاقباط‏,‏ ولا أريد أيضا أن أطيل فيما يتعلق بإحجام كثير من الكتاب الجدد عن تقديم العوالم الداخلية للأقباط لسبب بسيط أن هذا هو واجب هدرا وواجب أي كاتب أن يكتب بالأساس عما يعرفه وعاشه وخبره‏.‏
لكن الأهم هنا أن المشاهد الخمسة التالية‏,‏ وهي الأنبا استنفانوس وهو الولد الذي صار أسقفا ومريم الحلبية والعم منصور حارس الجبانة واسماعيل الأعرج وحكيم الزبال‏,‏ سبق للكاتب أن أشار اليهم وتناولهم علي نحو عابر في مشهده الأول الباشكاتب ثم يعود اليهم تفصيلا في المشاهد التالية في ازمان مختلفة‏,‏ وعلي مدي مائة عام‏,‏ ليستكمل لوحة الفسيفساء التي تصدي لانجازها‏.‏ ففي مريم الحلبية المشهد الثالث مثلا نعرف أن مريم أم الباشكاتب كان الباشكاتب يري أمه مريم الحلبية تجلس خلف ماكينة الخياطة ساهية كأنها تدير آلة وسوف نعرف أيضا في مشهد آخر هو الانبا استفانوس أن مريم نسيها الحلب وهي طفلة في مضاربهم ورحلوا‏,‏ فتبادر الغندورة أم الولد بخيت وهو نفسه الذي سيصير أسقفا باسم استفانوس وبركة الرب بتربية مريم الحلبية وتعاملها كأنها ابنتها‏,‏ بل انها تنسي وتناديها أحيانا باسم بخيتة ابنتها التي فقدتها في شوطة الطاعون‏.‏
وفي الوقت نفسه يسعي المقدس أيوب سعيا حثيثا من أجل دفع مريم لغواية ابنه ويترك طريق الرهبنة ليتفرغ لتجارة أبيه‏,‏ ومن الممكن أن تكون قد نجحت في هذه الغواية‏,‏ مادام الباشكاتب ابن مريم الحلبية يشبه الانبا استفانوس كل هذا الشبه‏,‏ وان كان الكاتب لم يصرح بهذا مطلقا‏,‏ فهل يقصد هدرا أن يشير من بعيد دون أن يصرح؟‏..‏
والحقيقة أن الشكل الذي اختاره الكاتب‏,‏ أي تلك المشاهد الستة المتتابعة‏,‏ أتاحت له الحرية الكاملة في رسم كل تلك الملامح لأجيال وشخوص وأماكن متنوعة ومختلفة‏,‏ ففي مشهد العم منصور القديس حارس الجبانة تتكرر الاشارة عدة مرات لأنه قد مر علي العم منصور مائة عام‏,‏ منذ توجهت الغندورة زوجة المقدس أيوب الي الدير البعيد في أعلي الجبل‏,‏ وفتح لها رجل بحاجبين ملتحمين لاتعرفه فدخلت‏,‏ وفوق مذبح الكنيسة وضعت ورقة مكتوبا فيها اسمها واسم زوجها أيوب‏..‏وعند باب الكنيسة لمحت الرجل الذي فتح لها الباب فخجلت من بكائها‏,‏ لملمت بردتها السوداء وتوجهت ناحيته‏..‏
وهكذا بدهاء محسوب ومكر لافت للنظر يلقي هدرا جرجس بشراك وفخاخ صغيرة متناثرة‏,‏ يشيد من خلالها ولايصرح‏,‏ يلمس من بعيد ولايتورط‏,‏عبر لوحات ست مكتوبة بمهارة وخبرة رغم أن هذا هو عمله الثاني فقط بعد روايته مواقيت للتعري وان كان يشير الي أن له رواية أخري غير منشورة هي‏..‏الجسد اللين لامرأة الصلصال‏.‏
أما اسماعيل الأعرج في لوحة النقرات الرتيبة للعكاز الالومنيوم فقد سبق لنا أن رأيناه في اللوحة الاولي الباشكاتب وسوف يتبادل معه الباشكاتب الكلام نفسه تقريبا الذي يتبادله معه في اللوحة الاولي‏:‏ عندك يا اسماعيل يا ابني شاكوش ومسامير‏..‏ ما أوردته في السطور السابقة يكاد يكون عشوائيا من هنا وهناك لأدلل علي أن المشاهد واللوحات ليست مجرد قصص متتالية‏,‏ بل هي عمل يقع في منطقة‏,‏ بين الرواية والمجموعة القصصية ولذلك‏,‏ فاللوحة الأخيرة حكيم الزبال هي الذروة والكوريشندو وصادفنا حكيم هنا وهناك في اللوحات السابقة باشارات سريعة‏,‏ لكن الكاتب استبقاه ليختتم به عمله‏.‏
حكيم الزبال عنوان عريض لعصر وزمن ودنيا مختلفة تعيش الآن عصرها الذهبي انه القواد وملك مستعمرة الهيش‏,‏ استولي علي سفينة غارقة واستطاع بجدارة فرض سطوته علي السكان الجدد الذين استأجروا منه الكبائن المهجورة‏,‏ لوطيون وهاربون ومدمنون ولاغبون في ممارسة الغرام السري‏..‏وعندما بشر الرئيس المؤمن بعصر الانفتاح‏,‏ خرج الخفاش من عتمة المركب الي النور فجأة‏,‏ ظهر علي السطح بضجة صاخبة‏..‏ ثم بدأ يرسم لنفسه صورة جديدة‏,‏ وفي خطة منظمة عكف علي شراء القيمة بسخاء‏,‏ ووزع الملابس الجديدة لأيتام الملجأ‏,‏ وساهم في طلاء الكنيسة‏,‏ وفرش المساجد بالسجاد الفاخر‏,‏ ووعد بتوفير وظيفة لكل عاطل‏,‏ فاكتسب ثقة الحزب وصداقة المحافظ وتشجع بصورة كافية ليحلم بمقعد تحت قبة البرلمان‏.‏
وهكذا اختار هدرا أن يكون حكيم الزبال هو ذروة قصصه وختام عمله فأنجز الكثير‏,‏ وترك الباب مفتوحا لانجاز أعمال تالية فهو يملك الثقة والاحترام للكتابة ويدرك أن الكتابة عمل شاق يحتاج لبذل كل هذه الجهود‏.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.