في مثل هذا الوقت من كل عام تكسو سماء الدقهلية سحابة دخانية معروفة إعلاميا باسم السحابة السوداء, تزكم رائحة دخانها أنوف المصريين, وتلهب عيونهم, ويزداد معها عدد الإصابات بالأزمات الصدرية, كما يزداد معدل حوادث الطرق. وتختفي السحب الطبيعية وراء هذه السحابة القاتمة, كما تختفي معالم المحافظة في بعض الأحيان وراءها ويختنق المواطنون برائحة الدخان التي تنتشر أثناء الليل. ورغم تغيير الوزراء, ومحاولات وزارات البيئة والزراعة والتنمية المحلية السيطرة عليها, فإنها جميعا فشلت في مواجهة هذه الظاهرة التي دخلت عامها الرابع عشر, وكأن مصر أصبحت علي موعد شبه دائم معها. يقول الدكتور زيدان شهاب الدين بمركز البحوث الزراعية لقد شهدنا الأسابيع القليلة الماضية انتشار رائحة الدخان في سماء الدقهلية ومراكزها وقراها,, ورغم أن حدة سحابة الدخان السنوية لم تكن مثل الأعوام الماضية, فإن كثيرين شعروا بها, خاصة مرضي الأمراض الصدرية كالربو والحساسية المزمنة, ففي المساء يشعر الجميع برائحة الدخان منتشرة في كل مكان, وتسببت أعمدة الدخان الكثيف الناتج عن حرق قش الأرز في اصطدام سيارة نقل بأخري ملاكي علي طريق جمصة بسبب انعدام الرؤية, ما أودي بحياة قائد السيارة الملاكي. كما استقبل مستشفي الأطفال الجامعي بالدقهلية حوالي12 طفلا مصابا باختناق بسبب الدخان للأسبوع الماضي. ورغم أن وزارتي الزراعة والبيئة وقعتا بروتوكول تعاون لتدوير100 ألف طن من المخلفات الزراعية, خاصة قش الأرز, فإن هذا المشروع لم يؤت ثماره بعد, فمازال قش الأرز يعتبر مشكلة لكثير من المزارعين, خاصة أن وجوده في الأرض يؤدي إلي تجمع الفئران والقوارض والثعابين ويحول دون استفادة الفلاح من المساحة التي يتم تشوين القش فيها, ورغم إعلان الزراعة عن شراء طن القش ب100 جنيه من الفلاحين فإن كثيرا منهم لا ينتظر دوره في عملية الكبس ثم النقل, ويقوم بحرق القش, وهو ما يزيد من مشكلة السحابة السوداء. وتضيف الدكتورة شيماء الخميسي باحثة زراعية قائلةيرجع تاريخ ظهور السحابة السوداء إلي شهر أكتوبر1999, إبان تولي احدي الوزيرات حقيبة البيئة, وعندما تكررت الظاهرة تمت الإطاحة بها, ومع ذلك فشل كل وزراء البيئة بعدها طوال الأربعة عشر عاما الماضية في مواجهة هذه الظاهرة, ورغم أن الدراسات أكدت أن قش الأرز لا يمثل سوي20% فقط من أسباب هذه الظاهرة, فإنه أصبح الشماعة التي يعلق عليها الجميع أسباب الظاهرة, والواقع والدراسات يؤكدان أن الأسباب الأخري للسحابة السوداء هي عوادم السيارات ومخلفات المصانع والورش ومسابك الحديد والصلب, ومكامير الفحم, والحرق المكشوف للقمامة يتم التخلص من جزء قليل منها بطريقة علمية, أما الباقي فيتم التخلص منه بطرق ملوثة للبيئة. ويري محمد الشربيني باحث زراعي أن المشكلة أصبحت أقل بشكل كبير عن ذي قبل, مؤكدا ان تكرارها من عام لآخر يعد مشكلة حقيقية يجب ألا يستهان بها نظرا لتأثيراتها الخطيرة علي الصحة العامة. وأضاف الدكتور حازم مراد: نجحت جهود وزارتي البيئة والزراعة في تقليل حرق قش الأرز والاستفادة منه, ولكن السحابة السوداء مستمرة لأن لها أسبابا أخري, منها الملوثات الأخري, مثل عوادم السيارات, والانبعاثات الناتجة عن المصانع, ومحطات الكهرباء, والحرق المكشوف للقمامة, بالإضافة إلي ظاهرة الاحتباس الحراري التي يحدث معها سكون في حركة الهواء, وهو ما يؤدي إلي زيادة الإحساس بالملوثات. وأشارت المهندسة دينا خالد عقل إلي ضرورة العمل علي تقليل هذه الملوثات من خلال التوسع في تشغيل محطات إنتاج الكهرباء والمصانع بالغاز الطبيعي, وضرورة السيطرة علي مصادر التلوث الأخري, مع التوسع في إنشاء مصانع تدوير المخلفات الزراعية. وأكدت أن الشعور بالسحابة سيقل أكثر في الأعوام القادمة بسبب مصانع تدوير المخلفات الزراعية التي يتم إنشاؤها الآن, ولابد أن يصاحب هذا تقليل الملوثات الأخري مثل عوادم السيارات وأبخرة المصانع. وأرجع الدكتور حازم احمد مهنا السبب الرئيسي لاستمرار ظاهرة السحابة السوداء إلي انتشار الملوثات بشكل عام, خاصة عوادم السيارات التي تتزايد كل عام بسبب زيادة أعداد السيارات, بالإضافة إلي الملوثات الناتجة عن المصانع, فهذه الملوثات هي السبب الرئيسي في ظهور السحابة السوداء وتكرارها طوال الأعوام الماضية, ولن تنتهي هذه الظاهرة إذا استمرت الملوثات بهذا الكم. وطالب مهنا من وزارة الداخلية بضرورة تفعيل قانون المرور, وتقليل الانبعاثات الخارجة من السيارات, ومنع سير أي سيارة تلوث البيئة لحماية البيئة, وضمان عدم تكرار ظاهرة السحابة السوداء. ورغم الدراسات الكثيرة, والأسباب المعلومة للجميع والتي ذكرها الخبراء عن أسباب السحابة السوداء, فإن الحكومات المتعاقبة فشلت في مواجهتها منذ عام1999 حتي الآن. رابط دائم :