كان انتصار الشعبين المصري والسوري في حرب السادس من أكتوبر1973 م العاشر من رمضان يعبر بشكل حقيقي وفعال عن تلاقي إرادة الشعبين مع وحدة القرار في تحقيق الانتصار علي العدو الصهيوني وهزيمته بشل ساحق. فحطمت أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر,بدعم سياسي واقتصادي وعسكري عربي, فاسترد المصريون ومعهم الشعب العربي كرامته بعد طول انتظار وبعد أن عاني الأمرين من مرارة الهزيمة في عام1967 م, مما يؤكد علي معني واحد وهو أن قوة الأمة في وحدتها وتنوعها ولذلك يحاول أعدائها العبث بهما من أجل بث الفرقة والأنقسام بين أبنائها فيتم إضعافها ووهنها حتي يتمكنوا من السيطرة عليها. وتبدت عظمة هذا الانتصار عندما كشفت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية وللمرة الأولي, عن اجتماع عاصف للحكومة الإسرائيلية يوم اندلاع الحرب, وتحديدا عند الساعة الثالثة من ظهر الأحد7 10 1973, بناء علي طلب من رئيسة الوزراء جولدا مائير, وجاء في التقرير أنه بعد أكثر من يوم بقليل علي بداية الهجوم المصري والسوري المنسق, وبالتحديد يوم7 197310, دعت جولدا مائير إلي جلسة وصفت بالدراماتيكية, قدم خلالها ديان وصفا دقيقا لكيفية سقوط المواقع والتحصينات الإسرائيلية واحدا تلو الآخر علي طول خط قناة السويس, مؤكدا أن خط القناة الذي كان يعرف باسم خط بارليف قد سقط وانتهي أمره, مقترحا انسحابا إسرائيليا حتي منطقة المصايق بغمق30 كم بعيدا عن قناة السويس وترك الجرحي الإسرائيليين داخل المواقع التي سقطت في الهجوم, قائلا: لانه لا يمكننا إنقاذهم يجب تركهم وإنقاذ ما نستطيع إنقاذه في مواقع أخري, ومن يقدر منهم علي مواصلة طريقة وصولا للمواقع الإسرائيلية فليفعل, ومن يريد الاستسلام يستسلم وعلينا أن نقول لهم إننا لا نستطيع أن نصل إليكم, حاولوا التسلل أو استسلموا. وبحسب التقرير الذي نشرته الصحفية فإن ديان توقع أن تؤدي الحرب إلي سخرية العالم من إسرائيل واعتبارها نمرا من ورق, سينهار مع أول هجوم عليها, فتدخلت مائير قائلة: شيء واحد لا أفهمه اعتقدت بأننا سنبدأ بضربهم( تقصد القوات المصرية) فور عبورهم القناة ماذا حدث؟!! فرد ديان عليها بالقول لقد ذهبت الدبابات وكان لهم غطاء مدفعية فدمروا دباباتنا والطائرات لا يمكنها الاقتراب بسبب الصواريخ لقد سمحت1000 فوهة مدفع للدبابات باجتياز القناة ومنعتنا من الاقتراب إنها الطريقة والتخطيط إنها ثلاث سنوات من الإعداد والاستعداد وذكر ديان خلال الجلسة أن تقديراته لقوة العدو كانت خاطئة, موضحا أنه ليس هذا وقت حساب النفس لم أقدر جيدا قوة العدو وبالغت في تقدير قوتنا وقدرتنا علي الصمود, إن العرب يقاتلون بشكل أفضل بكثير من السابق ويوجد لديهم الكثير من الأسلحة إنهم يدمرون دباباتنا بالأسلحة الفردية وتشكل الصواريخ مظلة صعبة لا يمكن لسلاحنا الجوي اختراقها, وأنا لا أعرف ما إذا كنا قد قمنا بضربة وقائية, فهل كان ذلك سيغير من الوضع بشكل كبير أم لا. وشهادة هؤلاء القادة تؤكد أن الجيش المصري تمكن من سحق قوات العدو وقهره وإذلاله وإجباره علي الإنسحاب من سيناء بعد إنهيار خط برليف العنيد والذي معه إنهارت كل مخططات واحلام إسرائيل في البقاء ولو علي حبة رمل من أرض الفيروز الطاهرة, بعد أن دفع قادته وجنوده دمائهم الغالية رخيصة من أجل الحفاظ علي أمن وسلامة مصر والمصريين ومعهم العرب والمسلمين, مما يؤكد علي أن الحفاظ علي الجيش المصري قويا صلبا يصب في مصلحة مصر والمصريون والعرب المسلمين مصداقا لقوله صلي الله عليه وسلم عن عمرو بن العاص قال: حدثني عمر أنه سمع رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: إذا فتح الله عليكم مصر بعدي, فاتخذوا فيها جندا كثيفا, فذلك الجند خير أجناد الأرض قال أبو بكر: ولم ذاك يا رسول الله؟ قال: إنهم في رباط إلي يوم القيامة, ومعني هذا أن قوة جيش مصر هي سند للإسلام والمسلمين إلي يوم القيامة, وهذا يؤكدة هذا الحديث الشريف والذي نقل عن ثلاثة من كبار صحابة رسول الله صلي الله عليه وسلم أبو بكر وعمر وعمرو بن العاص رضي الله عنهم جميعا. * ولم يكن هذا كلاما عارضا وإنما أكد عليه القرآن الكريم في الكثير من آياته قال تعالي:( فلما دخلوا علي يوسف أوي إليه أبويه وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين) يوسف99, وعززته أحاديث الرسول صلي الله عليه وسلم عن مكانة ومنزلة مصر وشعبها, ومنها يكون جيشها مصدر قوتها وعزها, فقال: ما آخرجه مسلم في صحيحه عن أبي ذر مرفوعا: إنكم ستفتحون أرضا يذكر فيها القيراط, فاستوصوا بأهلها خيرا, فإن لهم ذمة ورحما قال الزهري: الرحم باعتبار هاجر, والذمة باعتبار إبراهيم عليه السلام, والذمة بمعني الحرمة والحق وهذا معناه أيضا أن قوة الجيش المصري ووحدته تنبع من وقوف المصريين جميعا خلفه صفا واحد فبهم تم قهر العدو وتحقيق الانتصار الذي إنتظره المصريون طويلا بكل خاص ومعهم العرب بشكل عام, وهذا معناه أيضا أن الحفاظ علي سمعة الجيش المصري جزء لا يتجزأ من الأمن القومي المصري والإسلامي, وعليه فان كل من يحاول التطاول عليه أو تشويه سمعته وسمعة قادته عليه مراجعة نفسه والعودة إلي مصريته, فما بالك بمن يرفع السلاح ويقتل جنوده ثم يدعي الواحد منهم بعد ذلك انه مصري أو ينتمي إلي تراب هذا الوطن إن تحقيق الانتصار العظيم في هذه الحرب بالرغم من الظروف الصعبة التي كانت تمر بها البلاد, تؤكد لي أن وخدة الحاكم والمحكوم تتمكن من تحقيق الانتصارات وصنع المعجزات إذا وضع في الاعتبار مصالح الشعب العليا والفاظ علي الأمن القومي للوطن, ومن هنا نجد إن إنتصار اكتوبر قد وضع بذرة الأمل في نفوس المصريين والتي يجب أن تحرم داخلهم كل مكامن القوة كي تدفع لهم إلي الأمام وإلي التقدم والتنمية, فلو تم تنمية بذر النصر بصدق وأمانة وإخلاص وتفاني كما حدث في أكتوبر لتحقق لمصر كل ما تصبو اليه من تقدم وازدهار وتنمية في كل فروع العلم والمعرفة. أستاذ بكلية الطب رابط دائم :