عجيب أمر جماعة الإخوان الفاشلين وأعجب منها المنساقون إلي قيادات الجماعة ممن لايزالون يمنون النفس بعودة مرسي عبر تدخل القوي الخارجية, وهم يحسبون أن تظاهرات العبث التي يقومون بها كل يوم جمعة كفيلة بتحقيق هذا الوهم الذي لاوجود له سوي داخل عقولهم المريضة بجنون مابعد العزل ويعيشون حالة إنكار للواقع وحقيقة أن مرسيهم صار من الماضي تماما كما المخلوع مبارك الذي يحلو للبعض اقحامه من بوابة الأحاديث الصحفية المشبوهة وتعليقه علي التطورات المصرية لإحداث عنصر إثارة إضافي للمشهد السياسي, متناسيا أن الشعب المصري أصدر حكما غير قابل للنقض بحقه انتهي بطرده من السلطة, كما أنه لايزال متهما بقتل متظاهري ثورة25 يناير, ومن ثم فإن ما يقوله لن يقدم ولن يؤخر علي مجمل التطورات التي تشهدها البلاد. وأغلب الظن أن رهانات الإخوان تواصل التساقط واحدا تلو الآخر, فسلاح التظاهرات والاحتجاجات الذي لجأت إليه ردا علي عزل مرسي بإرادة شعبية فقد بريقه ووهجه, وارتد إلي نحرها بعدما انفض الناس من حولها وبادر عدد من قياداتها بالقفز من السفينة الغارقة آخرهم صلاح سلطان مما يعني تصدع التنظيم الحديدي بفضل الضربات الأمنية التي تعرض لها وأسفرت عن وضع كبار القيادات في السجون علي ذمة القضايا التي تورطوا فيها, كما أن أعداد المتظاهرين باتت تتراجع علي نحو متزايد مما يكشف عن غضب الشعب من مسلكها وسياساتها وهو الغضب الذي يتحول إلي ترصد من الأهالي لمسيرات الجماعة والاشتباك مع عناصرها,بل وتسيير مظاهرات مضادة مساندة للجيش والشرطة. أيضا فقدت الجماعة الرهان علي استنساخ تجربة المربعات الأمنية من لبنان, عبر استقطاع أماكن منتقاة بعناية لسلخها عن سلطة الدولة وتحويلها إلي دويلات موازية, حيث سقطت جمهوريتها الورقية في رابعة والنهضة, ثم دلجا وكرداسة بعد تقديم فاصل عريض من فنون الدجل السياسي والتحريض علي الدولة واستعداء للخارج علي بني الوطن مما يدخل في باب الخيانة العظمي, فقد شاهدنا وشاهد العالم أجمع عملية فض اعتصامي رابعة والنهضة بتكلفة بشرية معقولة, ثم اقتحام دلجا وتحريرها من قبضة الإرهاب دون خسائر تقريبا وهو ماتكرر في كرداسة بخسائر جد محدودة, مما يؤكد هيبة الدولة المصرية ومصداقية الحكومة التي شددت علي لسان الدكتور حازم الببلاوي أنها لن تتسامح مع الجماعات الإرهابية التي تروع الآمنين, وهو ماتحقق في كرداسة ضمن مخطط لبسط سلطة الدولة في كل بقاع الوطن وإعادة الإرهابيين إلي الجحور. لقد أحسنت الحكومة صنعا بتطهير دلجا وكرداسة من الإرهاب وتعهدها بتطوير هما وتنميتهما باعتبار أن الفقر وتدني مستوي المعيشة يظل السلاح الأهم في تجنيد الإرهابيين واصطيادهم من المتاجرين بالدين, ومن المؤكد أن ماحدث خلال عملية الاقتحام يكشف عن تطور نوعي في أداء الشرطة الاحترافي وثقة في النفس استمدتها بكل تأكيد من المصالحة التاريخية لها مع الشعب في ثورة30 يونيو وكيف تحولت وزارة الداخلية إلي خادم للشعب وليست أداة قمع للحاكم مهما يكن, ولم يكن بوسع جهاز الشرطة أن يصمد في وجه موجات الإرهاب التي تفجرت بالتزامن من فض اعتصامي رابعة والنهضة, لولا وقوف القوات المسلحة في ظهرها وتعزيزها بالأفراد والعتاد, وهو ما حال دون نجاح رهان الإخوان الفاشلين علي انهيار الشرطة وتحويل الشعب إلي رهينة علي غرار ماحدث في28 يناير2011. لقد جرب الإخوان الفاشلون احتلال مترو الأنفاق يوم الأحد الماضي وخاب مسعاهم وجربوا نقل الاعتصام إلي أخري مثل الألف مسكن وأخفقوا وجربوا الدعوة الي العصيان المدني لكن دون جدوي لسبب بسيط أن العصيان لايكون إلا بمشاركة كل طوائف الشعب وليس بمن حضر, والآن وفي إطار مسلسل التفكير العدمي الذي يسيطر علي عقولهم يخطون لشل العملية التعليمية في الجامعات والمدارس حيث رفعوا يوم الجمعة الماضي شعار لادراسة قبل عودة مرسي ودعوا إلي الاحتشاد أمام ميدان النهضة في أول يوم دراسة وهو مالم يسمح به الأمن ولا الحكومة المصرية. والغريب والمؤسف أن يخرج علينا القيادي الهارب عصام العريان ليقول من مخبئه إن الشهب المصري يقود ثورته وإن سلميته أقوي من الرصاص ولا ندري أية سلمية يتحدث عنها عريانهم وإلا كيف يفسر كميات الأسلحة التي يتم ضبطها مع إخوانه, وليدلنا علي اغتال اللواء نبيل فرج مساعد وزير الداخلية لأمن الجيزة, ولاننسي ان مايرطن به العريان ليس إلا ترديدا لماسبق أن قاله كبيرهم ومرشدهم من فوق منصة التحريض برابعة. لم يدع الإخوان الفاشلون جريمة إلا واقترفوها في حق الشعب المصري,بداية من التحالف مع أعداء الأمة ومرورا بالانقلاب علي قواعد اللعبة الديمقراطية وإعلان مرسي للإعلان الدستوري المستبد وليس انتهاء برفض العودة للشعب وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة كانت كفيلة بتجنيب البلاد شر الفتنة وحقن دماء المصريين, وفي إطار مسلسل نشر الفوضي جاء تحريك الجماعة لورقة الأولتراس علي نحو ماحدث من حرب شوارع في نادي الزمالك, وكذلك من تحريض لأولتراس الأهلي, بل إن الجماعة لم تستح من تشكيل مايسمي بأولتراس نهضاوي مما يعني انجرار الجماعة إلي خطيئة ممارسة السياسة بعقلية مها ويس الكرة لقد تحركت الحكومة المصرية تحركا ذكيا الأسبوع الماضي, داخليا عبر إنهاء مهزلة دلجا وكرداسة, وخارجيا بالزيارة التي قام بها وزير الخارجية نبيل فهمي لموسكو لبحث تنشيط العلاقات مع القوة الروسية الساعية إلي استعادة دورها في المنطقة من خلال وساطتها الناجحة بين سوريا الأسد وإدارة أوباما لتجنيب دمشق ضربة عسكرية أمريكية بعد اتهامها باستخدام السلاح الكيماوي في الفوطة,والمتابع لمجمل التصريحات الصادرة من القاهرةوموسكو يكتشف عن أن مصر تقود تحركا مدروسا لتجديد خريطة تحالفاتها الخارجية, وعدم الاعتماد علي التحالف التقليدي مع واشنطن والاتحاد الأوروبي, وخصوصا في ظل القوي الصاعدة علي المسرح الدولي وفي مقدمتها روسيا والصين والهند والبرازيل وهو الأمر الذي آن أوانه لبناء علاقات خارجية متوازنة,تعيد تصحيح خطيئة الارتماء في الحضن الأمريكي الأوروبي منذ أيام السادات. إن انشغال مصر بمعركتها المشروعة ضد الإرهاب لاينبغي أن يجعلها تغض الطرف عما يجري في محيطها العربي والاقليمي والد ولي حيث تمر خريطة التحالفات بتغييرات دراماتيكية لعل أبرزها تداعيات تخلص سوريا من سلاحها الكيماوي والتقارب المحلوظ بين إيرانوواشنطن في مستهل عهد الرئيس الجديد حسن روحاني, وهو ماينعكس ذلك علي احتمالات عقد صفقات يتوقع أن تكون علي حساب المصالح العربية المشروعة, ومن ثم تكمن أهمية التحرك المصري لإعادة الدفء في العلاقات مع موسكو وهو مايتعين أن تتبعه خطوات مماثلة باتجاه الصين والهند والبرازيل. لقد دفعت مصر ثمنا باهظا لمرحلة الانكفاء علي ذاتها في السنوات الأخيرة من حكم مبارك, وتراجع دورها في التأثير علي القضايا الإقليمية مما منح الفرصة لتقدم الصغار من عينة قطر التي وقعت ضحية للتفاوت الرهيب بين قدراتها المالية وبين اعتبارات التاريخ والجغرافيا مما جعلها تلعب دور المحلل والمسوق للمخططات الغربية والتركية وحتي الإسرائيلية عبر سترها بالغترة القطرية, وهذا ماكان ليحدث لولا انسحاب مصر من دورها العربي والإفريقي والدولي الذي بلغ أوجه في عهد جمال عبد الناصر, ويتعين العمل علي استعادته مهما يكن الثمن, حفاظا علي أمننا القومي الذي بات مهددا في منابع النيل ومن كل الجهات تقريبا والمرجح أن النجاحات التي تحققت في دلجا وكرداسة شكلت ضربة قوية للإخوان الفاشلين وحلفائهم لكن هذا لايعني الاسترخاء أو التقاعس عن استكمال المهمة, فكل المؤشرات لاتنم عن استيعاب الجماعة لأخطائها أو انعدام فرص تكرارها بدليل أن لقاء الأستاذ هيكل بقيادييها محمد علي بشر وعمرو دارج لم يتوصل لشيء محدد ولم يكشف عن وجود معتدلين وصقور داخل التنظيم الإخواني فالأرجخ أن الجميع مصابون بالعمي السياسي.