لا أعتقد أن الانتخابات الرئاسية المقبلة ستكون مهمة سهلة للوطن أو المواطن, ولن يكون الترشح لها بمعايير الانتخابات الماضية وأيضا لن تكون حساباتها السرية أو العلنية كأي انتخابات مرت بمصر قبل ثورة25 يناير. ولن تكون تلك الانتخابات في حال إجرائها إلا كالعملة المعدنية التي تحتمل وجهين لا ثالث لهما إما وضع مصر علي الطريق الديمقراطي أو جرها من جديد إلي دهاليز الديكتاتورية دون تجميل سياسي. ومعضلة الانتخابات الرئاسية المقبلة تبدأ من نقطة من سيترشحون لها والمعارك الشرسة التي تشهدها مؤسسات كبري وأحزاب وقوي سياسية إضافة إلي لاعبين رئيسيين في المشهد الحالي وكذلك مراقبين للوضع ومديرين لملامحه من داخل مصر وخارجها سواء من أصحاب المصالح أو أصحاب القضايا أو الباحثين عن زعامة مفقودة بين طيات الأحداث التي مرت بها مصر منذ سقوط مبارك ونظامه المتهم بالفساد. لا يمكن النظر إلي تلك الانتخابات بمعزل عن مرجعية من سيترشحون لها مدنية كانت أم عسكرية أم أن قوي التيار الإسلامي سيكون لها رأي آخر في ظل منافسة شرسة محتملة بين المدنيين والعسكريين قد تقلص فرصهما معا وتفتح الأبواب أمام من يمتلك عصا سحرية تجعل التصويت في الصناديق جهادا في سبيل الله ورباطا من أجل الشرعية ببديل مثل عبد المنعم أبو الفتوح وقد تلقف تلك العصا ما يصنع هؤلاء المتنافسون في السر والعلن وتصبح محددا للمبشرين بالقصر الجمهوري في تجربة ما بعد ثورة30 يونيو سواء بملامح تعديل مسارات خطايا فشل التيار الإسلامي أو تكرس لروح انتقامية ودولة لا تعرف الاستقرار, ورغم أن هذا احتمال وارد الحدوث بنسب ضئيلة إلا أنه يبقي احتمال لا ينبغي تجاهله من جانب من يريدون للدولة أن تبدأ مرحلة جديدة; لأن التجربة أثبتت أن الإسلاميين عشقوا السلطة وعبدوها في عام الإخوان ويحتاجون إلي دهور لينسوها ويكفروا بمكتسباتها. ويزيد من ضبابية تلك الانتخابات ما يثار بين الحين والآخر عن المرشحين المحتملين لها ومن يجهزون أسلحتهم لكسب تأييد الشارع والرهان علي أصواته وكأن بمصر مؤسسة سرية تتعامل مع تلك الانتخابات كمسرح لعرائس الماريونيت تختبر حركاتها وتجرب ردود أفعال الجمهور عليها وهو ما حدث مع الكثيرين وكان آخرهم الفريق سامي عنان الرئيس السابق لأركان حرب القوات المسلحة الذي أراد أو أريد له الترشح للانتخابات الرئاسية واضطر خلال ساعات إلي نفي ذلك رغم المقدمات التي عبر عنها فور الإطاحة الشعبية بالرئيس المعزول محمد مرسي حينما ظهر بعد بيات سياسي طويل ليقول إنه كان قد استقال من منصبه كمستشار للرئيس وأنه مستعد لخدمة الشعب المصري. وطرح اسم الفريق عنان وما صاحبه من رفض الكتروني كبير عبر مواقع التواصل الاجتماعي وهمسات استهجان في الشارع المصري يكاد يتشابه مع الموقف من طرح ترشح اللواء مراد موافي أو الفريق أحمد شفيق أو اللواء حسام خير الله وغيرها من الأسماء ذات المرجعية العسكرية التي يختلف رد الفعل الشعبي بالنسبة لها عن ترقب بترحيب من جانب البعض وتأييد معلن عبر حركات سياسية مثل كمل جميلك وغيرها للتعاطي مع الترشح المطروح للفريق أول عبد الفتاح السيسي. ورغم أنني تابعت ما ينقله البعض علي لسان السيسي بأنه لن يترشح للرئاسة, وما يردده البعض بأنهم سينزلون إلي الشارع في مليونيات للمطالبة بإجباره علي قبول الترشح إلا أنني أري أن طرح مثل تلك الأسماء يصب في صالح ترشحه من منطلق الزعامة وليس من منطلق المسئولية لأن بعض الأسماء المطروحة تلوثت بحقائق أو شائعات أحداث محمد محمود وماسبيرو ومجلس الوزراء وموقعة الجمل وعقد الصفقات السرية مع تنظيم الإخوان واستشهاد المجندين المصريين في رفح. ولا أريد القول إن طرح الأسماء المرفوضة مسبقا إنما يصب في صالح اسم بعينه اللهم إلا إذا كان ما أقوله جزءا من موقف لن يتغير من نشطاء السبوبة ومجاهدي البحث عن الحماية ومناضلي الدولار والمتمسحين بماء النفاق أملا في شفاء من أمراض الدونية السياسية التي أصابتهم ولا يرجي لهم شفاء, فهؤلاء يساندون باعة الوهم مادام هذا الوهم يذهب إلي الشعب وثمنه لا يضل جيوبهم وهذا الثمن يجعل عدة النصب جاهزة فإذا أرادوا الترحيب بترشحه فسوف يرونه عودة لنضال شارل ديجول وانحيازا لزعامة جمال عبد الناصر واستمرارا لعبقرية إيزنهاور, ولو أرادوا إبعاده عن المهمة فسوف يتشدقون بأغنية أن الزعيم لا يحكم وأن الشعب سوف يختارويظل الجيش حاميا لإرادته الحرة. والمساحة ما بين الترحيب والرفض ربما تمنح الفرصة لملاعيب شيحا من النظام القديم ليستيقظ ويقوي ويتحرك بأسماء حركية ووهمية ومخابراتية ترتدي نفس ثوب الحركات الثورية والشبابية وقوي التغيير التي قد تعيد الانتخابات الرئاسية إلي صورتها الأولي التي فاز فيها الرئيس المخلوع حسني مبارك في2005 بنسبة88.5% بينما حصل الدكتور أيمن نور أقرب منافسيه علي نسبة7.5% أهلته لدخول السجن بتهمة يري كثيرون أنها كانت ملفقة, وقد تهيئ تلك المساحة أيضا التربة الصالحة لعودة المرشح باسم الله والشريعة وهي اللعبة التي يجيدها المتاجرون بالدين حتي ولو كان الأمل الوحيد فيها علي تفتيت الأصوات وانتظار المجهول. لهذا ينبغي أن نتعامل مع الانتخابات الرئاسية المقبلة بعيدا عن خطط تثوير الصناديق أو شيطنة التصويت أو تجريف الاختيار وأن يتم من الآن الاتفاق والتوافق علي إرادة الشعب وليس فرض من تختاره حتي لا يكون الثمن ديكتاتورية جديدة يتم تكريس ملامحها بالترشح اللاإرادي للرئاسة! رابط دائم :