في نهايات العام1980 وبعد فترة وجيزة من إعلان الرئيس السوداني الأسبق جعفر النميري تحالفه مع الإسلاميين, وقف الزعيم الاخواني, الدكتور حسن الترابي يخطب في الجموع التي سيقت مثل قطعان, إلي أحد ميادين العاصمة الخرطوم, ملوحا بعصاه في سماء ملبدة بغيم كثيف ينذر بهطول مطر, مبررا للجموع الحاشدة, لجوء الثورة الإسلامية إلي ما وصفه ب الاهراب والحسم, قائلا في ثبات: وهل هناك قربي إلي الله افضل من إرهاب أعدائه؟. كان الرئيس نميري قد أعلن علي نحو مفاجئ, تحالفا واضحا مع القوي الإسلامية في السودان, بهدف التخلص من صداع القوي اليسارية التي كانت تسيطر علي الجامعات حينذاك, فضلا عن الأحزاب الاشتراكية التي كانت تسيطر علي الشارع السوداني, الذي كان يئن تحت وطأة أزمة اقتصادية خانقة. * كان نظام النميري قد أعلن في يوليو من العام1976, عن محاولة اقتصادية خانقة. * كان نظام النميري قد أعلن في يوليو من العام1976, عن محاولة انقلابية استهدفت الاطاحة بالنظام, عن طريق قوات مدينة كان مقررا لها ان تحتل العاصمة الخرطوم, وقالت السلطات السودانية وقتها, ان وراء هذه المحاولة, الصادق المهدي زعيم حزب الأمة, والشريف حسين الهندي زعيم الاتحاديين, اضافة إلي جماعة الاخوان, وقد نفذ النميري حملة اعتقالات واسعة عقب الاعلان عن تلك العملية, طالت قيادات بارزة في الجماعة, قبل أن يتبدل الحال في ظل الارتفاع المضطرد في وتيرة الاضرابات الاجتماعية في البلاد, وهو ما دفع الطرفين النظام والجماعة, إلي التصالح شأنهما في ذلك شأن أي نظام ديكتاتوري بجماعة رجعية محافظة, بهدف وأد ثورة الشعب السوداني, وقد نسب للترابي وقتها قولته الشهيرة عن النميري: لقد تصالحنا معه, لأنه يريد السلطة, بينما نحن نريد وراثة المستقبل. في غضون سنوات قليلة من تحالف النميري مع جماعة الإخوان, نجحت الجماعة في السيطرة ليس فحسب علي الجيش والشرطة ومؤسسة القضاء, وإنما ايضا علي نصيب وافر من الاقتصاد السوداني المحلي, بعدما قامت بتحويل استثماراتها في الخارج إلي داخل السودان, وقامت بضخها إلي شرايين الاقتصاد الوطني, في صورة مشروعات واستثمارات تجارية, وأسهم وسندات مالية في النظام المصرفي, وما صاحب ذلك من تأسيس بنوم إسلامية وشركات, بلغت مع مطلع العام1980 نحو500 شركة كبيرة, تجاوزت رؤوس اموالها اكثر من نصف مليار جنيه, وهو ما لعب الدور الأكبر في زيادة تغلغل الجماعة داخل المجتمع السوداني. كانت جماعة الاخوان قد نجحت في غضون شهور معدودة من تحالفها مع نظام النميري, في السيطرة علي مؤسسة القضاء, فشكلت لجنة لمراجعة القوانين, منحت الاولوية لانجاز ما يسمي ب مشروع قانون أصول الاحكام وهو المشروع الذي كان يستهدف وضع قواعد تحكم تفسير النصوص القانونية, وتدل علي وسائل الاحكام عند غياب النص بحيث تكون أحكام القضاء في مجموعها متمشية مع مباديء الشريعة وقواعدها الكلية, لاحظ معي الجملة الاخيرة, وهي نفسها الجملة التي اضافتها قوي الاسلام السياسي إلي نصوص الدستور, واثارت ولا تزال تثير الجدل, وغاية ما نروه ان تنتبه لجنة الخمسين إلي خطورتها, فتحذفها من نصوص الدستور الجديد. في نهايات العام79 بلغ التنسيق بين نظام النميري وجماعة الاخوان ذروته, وقد تجلي ذلك في قرار جمهوري اصدره نميري يقضي بتعيين الترابي نائبا عاما, ودفع الله الحاج احد ابرز قيادات جماعة الاخوان في السودان, وزيرا للتربية والتعليم, وقد اشرف الترابي وقتها بعد تسلم مهام عمله الجديد علي تعديلات في أمن الدولة, يصبح بمقتضاها الاعدام هو عقوبة الاضراب أو الدعوة اليه, وقد كان هذا القانون يستهدف بين ما يستهدف الاضراب أو الدعوة اليه, وقد كان هذا القانون يستهدف بين ما يستهدف القضاء علي مظاهرات الطلبة التي اندلعت حينها, احتجاجا علي غلاء الاسعار. في سبتمبر من العام83 بدأت في السودان ما يسمي ب مسيرة العدالة الناجزة, ويروي عبدالماجد عليش في كتابه الصادم يوميات الدولة الاسلامية مع دار عزة في السودان, كيف صدر القانون المعدل للاجراءات الجنائية, الذي يقضي بقطع يد السارق, والجلد والرحم للزاني, وتحريم الخمور والميسر, وكيف كانت تلك التعديلات سببا مباشرا في شيوع تهمة ما يسمي ب الشروع في الزنا, حتي اصبح لزاما علي الرجل ان يحمل شهادة الزواج, أو القيد العائلي ليبرر لرجال الضبط القضائي, سيره مع زوجته أو اخته أو حتي خالته أو عمته, والا تلقي عقوبة الجلد80 جلدة, والغرامة50 جنيها. * في نهاية العام نشرت الصحف السودانية خبر أول حكم قضائي, انتهت اليه محكمة العدالة بأم درمان, يقضي بقطع اليد اليمني من مفصل الكف, علي متهم يدعي سايمون اندريا مايكل, بعد إدانته بناء علي اقوال الشهود, بسرقة مسجل سانيو وجردل سكر!, وفي ابريل من العام84 أعلن النميري في خطاب للأمة, حالة الطوارئ لحماية العقيدة والوطن ومكتسبات الشعب, ليقول في لهجة ديكتاتور فاشي ان نبي الإسلام كان أول من أعلن حالة الطوارئ, تطبيقا للنصوص القرآنية الداعية للحذر, وليؤكد ان رجاله سوف يدخلون من اليوم كل بيت, وسوف يقومون بفتيشه بحثا عن المنكرات, لأن الاسلام امرنا بذلك. ... والغريب ان يصر البعض حتي اليوم, علي أن ما جري في مصر, ضد حكم الاخوان كان انقلابا عسكريا. رابط دائم :