قام الشعب المصري بثورته المجيدة في30 يونيو الماضي للإطاحة بحكم جماعة الإخوان المنتسبين زورا وبهتانا للإسلام, فخرج أكثر من30 مليون نسمة من الشعب ملأوا شوارع وميادين كل محافظات مصر من شمالها لجنوبها ومن شرقها لغربها, وهذا العدد منهم هو من سمحت ظروفه الصحية أو مسئولياته الوظيفية أو وجوده بالبلاد للخروج للميادين والتعبير المباشر عن رأيه, لذا فإن الدقة في الحساب تقتضي أن تتم إضافة عشرين مليونا آخرين علي الأقل لهذا العدد ليصبح جملة من عبر عن رأي في هذا اليوم أكثر من50 مليونا, أي أكثر من نصف العدد الفعلي للمصريين, لتصبح بحق من أكثر المرات عبر التاريخ التي شاهد فيها العالم شعبا يتفق علي رأس سياسي واحد, وبالطبع لم يكن من المتصور أبدا والحال كذلك ألا يتمكن الشعب من تحقيق رغبته في تغيير النظام, وقد كان, وأزاح عن صدره كابوس حكم الإخوان بتوابعه البغيضة, ثم أكد رفضه لحكم الإخوان بوقفة7/26 والتي زاد فيها عدد من خرج للشوارع والميادين علي الخمسة والثلاثين مليون نسمة, رغم ظهور ملامح مؤكدة لرفض غربي لما أراده المصريون, ورغم تأكد جماهير الشعب أيضا أن تنظيم الإخوان ليس خصما سهلا أو شريفا, فله كوادره المسلحة بمختلف أنواع الأسلحة وله عناصر جهادية مسلحة متمركزة بسيناء ومستعدة للعمل ضد أبناء مصر عند طلبه منها ذلك وله أيضا تنظيم دولي منتشر بجميع الدول يدعمه, هذا في ظل مناخ داخلي كانت تتخوف فيه جموع الشعب من حقيقة ولاءات وزيري الدفاع والداخلية, حين كان الجميع علي يقين بأنهما من كوادر الإخوان فهم من اختاروهما وعينوهما في منصبيهما. ثورة لها أوجه عدة للعظمة والروعة, من أكثرها أهمية أنه لأول مرة منذ ما يقرب من خمسة وثلاثين عاما, تسترد مصر استقلال قرارها وحرية تقرير مصيرها بدون إملاءات أو تدخلات من أي دولة أو قوي خارجية, لقد قام الشعب المصري بثورته لخلع نظام حكم مستند وقائم علي قوة سياسية مدعومة ومؤيدة بالكامل من الغرب وعلي رأسه الولاياتالمتحدةالأمريكية, فقد بات من المؤكد أن الولاياتالمتحدة عقدت تحالفا مع تنظيم الإخوان وأمدته بالدعم السياسي والمالي والتقني لكي ينجح في الوصول لحكم مصر, حتي يقوم هذا التنظيم بتنفيذ وتحقيق تعهدات سياسية للأخيرة تصب في هدف إنجاح تحقيق مشروع القرن الأمريكي والمسمي بالشرق الأوسط الجديد, وقد أوفت الولاياتالمتحدة لهذا التنظيم بما وعدت, وبدأ هو من جانب آخر في تنفيذ تعهداته, لذلك فقد كان من الطبيعي أن تعمل الولاياتالمتحدة بكل ما تملك علي بقاء هذا التنظيم في الحكم, والكل يعلم أنها تملك من أدوات الضغط ولي الذراع الكثير لتجبر مصر علي تنفيذ ما تمليه عليها, وقد كانت تنجح في ذلك في كل المرات والأوقات التي كانت تريد من مصر أن تفعل شيئا بعينه, وقد بدأت تلك الحقبة بشكل واضح منذ عقد اتفاقية كامب ديفيد والتي بدأت أولي إرهاصاتها حين اقتنع الرئيس السادات رحمه الله بأن99% من أوراق حل أزمة الشرق الأوسط لدي الولاياتالمتحدة, فدارت مصر ودار قرارها السياسي بعد ذلك التاريخ في فلك الإدارة الأمريكية, الأخيرة تأمر ومصر تطيع, أو علي الأقل كان علي مصر أن تأخذ موافقتها علي ما تريد أن تفعل أولا, أو كما يقال بالبلدي تأخذ الضوء الأخضر منها. لذلك فقد كان من أوجه عظمة الثورة المصرية أن الشعب المصري فرض إرادته وقراره علي الولاياتالمتحدة ونفذ ما يريد هو وأصر عليه, وخرج من تحت العباءة الأمريكية والتبعية للولايات المتحدة, علي الرغم من أن ذلك يخالف المشيئة والمصالج الأمريكية العليا, وأوقف البدء في تحقيق مشروع الشرق الأوسط الجديد, ومنع توالي سقوط بقية دول المنطقة فيه, ودفع من سقط منها فيه لمحاولة تدارك الأمر والعمل علي الفكاك منه, كالعراق واليمن والسودان, وأعطي قوة كبيرة لدول كادت علي وشك السقوط فيه كسوريا وتونس والمغرب لتدارك الأمر والتوقف عن السقوط فيه. بل إن أبناء مصر ممن يسمون مسيحي المهجر, والذين كانوا يربطون مواقفهم ويبنونها علي الحماية الأمريكية, وحينما رأوا أن أمريكا لا يهمها إلا مصلحتها فقط حين تحالفت مع تنظيم الإخوان ودعمته وغضت الطرف عن إحراقه الكنائس المصرية والاعتداء علي الكثير من المسيحيين بمصر للتسبب في إحداث فتنة طائفية, أعلن مسيحو المهجر رفضهم للحماية الأمريكية وتمسكهم بوحدة الصف المصري مع إخوانهم من المسلمين المصريين. وقد كان من الطبيعي أن يكون ثمن قرار الشعب المصري هذا رهيبا, وهو ما حدث بالفعل فمنذ نجاح الثورة ومصر تتعرض لضغوط لا قبل لدولة بها, ضغوط من الولاياتالمتحدة مباشرة وأيضا من الدول التي تدور في فلكها وتنصاع لأوامرها وتنفذ توجيهاتها ومن تكمن مصالحها معها, أقلها وأوضحها تلك التهديدات بمنع المعونة العسكرية السنوية عن مصر, مرورا بالتهديد بشن حرب اقتصادية شاملة عليها تستهدف إحكام حصارها اقتصاديا من جهات عدة لتركيعها وتجويع شعبها لكي يضغط علي حكومته وتعود لصوابها كما تدعي, جاءت وفود وذهبت وفود, صدرت قرارات من جهات دولية أو إقليمية ضد مصر, بل زاد الأمر علي ذلك بمؤامرات تحاك سرا لتقسيم مصر بعد إرهاقها واستنزافها وإدخالها في دوامة من العنف والارهاب اللانهائي, ورغم ذلك فمصر شعبها قبل حكومتها يصر علي إكمال ما بدأه, حرية وسيادة قرارها والتحرر من اختلال داخلي متمثل في تنظيم الإخوان, وأيضا من التبعية الخارجية للولايات المتحدة, والتي هي كما نعلم جميعا إحدي صورالاستعمار في العصر الحديث, وذلك بعد أن نحي التاريخ جانبا صورة الاستعمار العسكري الذي كان معروفا من قبل. لقد كانت ثورة شعبية حقيقية, ثورة بكل ما تعني الكلمة, ثورة قالت فيها مصر كلمتها, ثورة كانت بحق لها أوجه نجاحات ومجال تأثيرات متعددة, محليا وإقليميا ودوليا, وكلها للحق أوجه ومجالات تأثير مشرفة تليق بعظمة وتاريخ وحضارة هذا الشعب المصري العظيم.